سوف يقف التاريخ وتقف الجغرافيا طويلا أمام السلوك السياسى لأمير قطر تميم بن حمد وزملائه حكام الإمارة، ولا يبدو أنه وحده الحاكم والدليل هو عشرات التصرفات المتناقضة، التى لاتدخل ضمن حركات المناورات السياسية، ولكنها تدخل ضمن حالة من التردد الواضح، واتخاذ القرار ونقيضه، والتصريح وعكسه.. حدث مرات كثيرة، ولا تفسير له سوى وجود أكثر من عقل واقتراح، انتهت جميعًا لمانراه من حالة «اللامعقول». وبجانب تمويل تنظيمات إرهابية ظنا أنها ستعمل لصالح قطر، ومحاولة إخفاء مالا يمكن إخفاؤه.. والتحامى فى دول كبرى وأجهزة لا تعرف إلا مصالحها.
سيسجل التاريخ والجغرافيا أيضًا لعبة الاتصالات والتعهدات، التى يقدمها تميم فى التليفون ثم يتنصل منها، وهى لعبة ليس لها سوابق دولية أو إقليمية أو حتى الاستغماية.
تميم يشبه الأطفال الصغار، الذين كانوا يدقون جرس الباب ويهربون ليوقعوا بتعيس الحظ الذى يقع، هكذا فعل تميم منذ لعبة التصريحات، التى صدرت ونشرتها قناة الجزيرة ثم خرج ديوانه لينفيها ويزعم أنه تم اختراق حساب وكالة الأنباء القطرية، وبعد بيان الرباعى العربى مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ووجود أدلة بتورط قطر فى دعم الإرهاب تدخلت الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر مرات لإنقاذ الإمارة، لكن تميم أحرج أمير الكويت مرات. مرة بتسريب قائمة المطالب قبل إعلانها، وأخرى بعد اتصال تميم بأمير الكويت وتعهده بالحوار، خرج الجابر ليعلن فحوى التعهدات، لكن وزير خارجية قطر عاد لينفى ويغير.
كل هذه التصرفات لم يسبق أن وجدت فى عالم السياسة بهذه الطريقة، حيث يلعب أمير قطر الاستغمارية مع الإرهاب، ويراه الجميع، يراه المصريون والليبيون والسوريون والعرب والعالم، لكنه يتصور نفسه ذكيًا، واستمرارًا للعب الاستغماية يتصل تميم بولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، ويطلب الجلوس إلى مائدة الحوار، وبعد أن يعلن بن سلمان فحوى الاتصال وتنشر وكالة الأنباء السعودية الخبر، تخرج وكالة الأنباء القطرية لتعلن أن أمير قطر تلقى الاتصال من ولى عهد السعودية، وأنه سيقدم مندوبين لبحث المبحوثات.
يعرف تميم أن لعبة الاستغماية ليست كاملة، لأن المكالمات الرسمية غالبًا ما تكون مسجلة مثلما حدث مع تصريحات تميم، التى برأت الهاكر من اختراق الوكالة الرسمية القطرية. وبعد لعبة تميم الأخيرة أعلنت السعودية أنها لن تلعب لعبة الدوحة.. وأوقفت المفاوضات والاتصالات.
هناك تحليلات أن مستشارى تميم ينصحونه بلعبة الاتصال والنفى والتأويل، بل إن عددًا من مستشارى ومساعدى تميم يسربون من جلساتهم أنه بلا قرار، وأنهم هم من يوجهه ويخطط له، وهو أمر ربما يكون متماشيا مع تكرار إدلاء أمير قطر بتصريحات ونفيها أو إجرائه مكالمات ثم التملص منها، وهو ما يوحى أحيانا بأن تميم ليس صاحب القرار، ولكن جيوش المرتزقة، الذين أقاموا حياتهم على استمرار مغامرات وهمية لأمير قطر، ويعلمون أنهم سوف يفقدون هذه الحياة لو انتهت اللعبة، هؤلاء هم من يحكم الحصار حول تميم، الذى لايملك اتخاذ قرار، وإنما ينفذ أفكار المستشارين والمخططين حتى لو كانت متناقضة.
اللعبة لم تعد صالحة، ويعرف أمير قطر، أن علاقة بلاده بالإرهاب معروضة للعالم، ويراهن على حماية من خلال قاعدة العديد الأمريكية، أو حماية إيرانية أو تركية، وكلاهما عكس الآخر فى سوريا، وهو استمرار للعبة مع كل الأطراف والمصالح المتناقضة، الأمر الذى قد لايضمن استمرار لعبة الاستغماية التكتيكية، والاستراتيجية، وقد لايضمن استمرار ولاء مستشارين جاهزين لغيره.