سعيد الشحات

نورت يا قطن النيل

الإثنين، 11 سبتمبر 2017 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما قرأت خبرا يتعلق بزراعة القطن أجدنى مشدودا إليه وقارئا له مقلبا ما وراء سطوره، فأنا ممن شاهدوا وعاشوا فى طفولتهم ترجمة عملية لتعريفه بـ«الذهب الأبيض»، رأيت فرحة الأهل بجنى المحصول، الذى يفك ثمنه ضيق الحال ويلبى الحاجة طوال العام، وعملت فى جمعه أثناء دراستى بالمرحلة الإعدادية، ولا أنسى غناء وزغاريد الصبايا فى الحقول وقت جمعه، رأيت فى قريتى تسليم الجمعية الزراعية كؤوسا لمزارعين لأنهم حققوا أعلى إنتاجية فى المحصول.
 
رأيت القطن الذى لم يكن الاستثمار فيه يقتصر على صناعة النسيج، وإنما كانت بذرته تدخل فى صناعة الزيوت، وصناعة أعلاف الحيوانات، هو الزراعة التى تميزت وتغنت بها مصر منذ بدء زراعته فى عهد محمد على باشا، وهو الذى جعل مصر فى الماضى الأولى عالميا فى إنتاج وجودة  القطن طويل التيلة، غير أنه كأشياء كثيرة حدثت فى مصر نزل القطن من عرشه تدريجيا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى، وتركته الحكومة يحتضر، فلم يعد الفلاح يتحمس لزراعته لطول موسمه مما يتطلب مصاريف كثيرة، ومع احتضار زراعته تراجعت صناعة الغزل والنسيج فى مصر وشهدت تدهورا لا مثيل له.
 
مع انخفاض زراعته إلى حد الاحتضار كنا نشهد طوال السنوات الماضية بكائية عليه، وشكاوى من الفلاحين الذين يزرعونه ومع تكرارها دون التصدى لها هجروا زراعته حتى وصلنا فى العام الماضى إلى 129 ألف فدان هى كل المساحة المنزرعة، وهى أقل إنتاجية منذ عهد محمد على باشا حسب تأكيد وزير الزراعة عبدالمنعم البنا فى تصريحات له أول أمس أثناء جولته بمحافظة الفيوم.
 
«البنا» كان يفتتح موسم جنى القطن فى إشارة إلى عودة الاهتمام بزراعة هذا المحصول، وأشار إلى أن المساحة المزروعة زادت إلى 220 ألف فدان وذلك بزيادة عن العام الماضى بنحو 90 ألف فدان، مما يعنى أن هناك بشائر برغبة الفلاحين فى زراعته طالما توفرت الفرص الطيبة للتسويق، وأكد البنا على أن هناك توجيهات من القيادة السياسية والحكومة الحالية بالنهوض بمحصول القطن وتشجيع الفلاحين على زراعته، لزيادة المساحات المزروعة به، وعودته إلى عرشه وسابق عهده وسمعته المعروفة عالميا.
 
أفصحت تصريحات وزير الزراعة بطريقة غير مباشرة عن الاعتراف بأن هناك تقصيرا حدث فى الماضى نحو هذا المحصول، أما فى الوقت الحالى فهناك توجيهات من القيادة السياسية بالنهوض به، وفى يقينى أن هذا هو جوهر الموضوع، فمحصول مثل هذا لن يعود إلى عرشه إلا باهتمام القيادة السياسية به، وإدراك الحكومة بأنها أمام ملف يجب اقتحامه بكل جدية، فليس من المعقول أن يكون لنا ميزة عالمية فى إنتاج شىء ما ثم نفقده هكذا بكل سهولة، دون بذل جهد لاستعادة ما فات.
 
الأمر ليس بكاء على اللبن المسكوب، ولا نوع من التمسك بماضٍ لم يعد مناسبا كما قد يظن البعض، وصحيح أن هناك تغيرات كثيرة حدثت بما فى ذلك طبيعة مزاج الفلاح المصرى فى الزراعة، وأنه لم يعد محكوما بدورة زراعية تفرض عليه زراعة محاصيل معينة كما كان يحدث فى الماضى، وصحيح أن هناك منافسات عالمية جدت فى ملف زراعة القطن، غير أن كل هذا لا يجب أن يدفعنا إلى اليأس فنستسلم بسهولة.
 
نحن أمام محصول كنا سادة زراعة وإنتاج طويل التيلة منه، فلماذا لا نسخر كل الجهود بما فى ذلك البحث العلمى وتشجيع الفلاح من أجل العودة به إلى سابق عهده؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة