كان فى مقدمة استراتيجية الرئيس الأمريكى السابق أوباما للأمن القومى 2010، هو تفضيله العمل فى ظل الأطر الرسمية والمؤسسية الدولية، ونقل الباحثه مروة محمد عبد الحميد عبد المجيد فى دراستها التى حملت عنوان «التغيير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر»، عن أوباما قوله «سوف نكون راسخى العزيمة فى تقوية الأحلاف القديمة التى خدمتنا على نحو جيد، مع تحديثها لكى توفى بتحديات قرن جديد. سوف نبنى شراكات أجدد وأعمق فى كل منطقة ونقوى المعايير والمؤسسات الدولية».
فقد جاءت الاستراتيجية مليئة بالإشارات إلى «النظام العالمى» و«النظام الدولى»، و«حكم القانون» و«حقوق الإنسان» و«المؤسسات الدولية»، على خلاف استراتيجيتى الرئيس بوش الحافلتين بكثير من معانى الانفلات واللانظامية، بل والاستخفاف والعدائية أحيانا للحالة النظامية فى رؤية العالم.
فعلى سبيل المثال سيطرت الحالة النظامية على استراتيجية الرئيس أوباما حتى فى حديثه عن مواجهة شبكة القاعدة، بينما سيطرت على استراتيجيتى الرئيس بوش 2002 و2006 فى تناولهما للقاعدة الاستخفاف بها والتعبير عنها بلغة ثأرية انتقامية من دون طرح خطة واستراتيجية للمواجهة الشاملة معها، فقد أوردت استراتيجية أوباما رؤية شاملة فى مواجهة القاعدة، بل سادت الحالة النظامية على استراتيجية أوباما فى التأكيد على العمل الاقتصادى مع مجموعة العشرين، ومن خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتعاون الاقتصادى الدولى، ومن أجل إعادة الحالة النظامية إلى الأمن العالمى.
التحول من التجزيئية إلى التكامل: تضمنت استراتيجية الرئيس أوباما للأمن القومى الانتقال من فصل وتجزئة الأمن القومى إلى تقديم رؤية تتسم بالشمول فى التعامل مع قضايا الأمن القومى، وتقديم «رابطة عضوية» بين الأبعاد المختلفة للأمن، فقد أكدت على شمولية النظرة للأمن القومى الأمريكى فى ضوء الأمن العالمى، وفى تأكيدها على الأبعاد غير الأمنية للأمن، كالاقتصاد والبيئة والطاقة وأمن الفضاء الإلكترونى والتغير المناخى ومواجهة الأوبئة. وقد كانت استراتيجيتا الرئيس بوش عالميتين أيضا وتحدثتا عن قضايا وهموم عالمية، ولكنهما منغمستان فى الحرب على الإرهاب وبأحداث 11 سبتمبر.
وتشير الباحثة إلى أن استراتيجية أوباما لم تتجه للتركيز فقط على أحد أبعاد الأمن دون الأبعاد الأخرى، مثلما ركزت استراتيجيتا الرئيس بوش على العسكرة والجانب الدفاعى فى مكافحة الإرهاب، وإنما قدمت منظورا شاملا للأمن القومى يتجاوز محدودية رؤية إدارة بوش. ويتمثل حقيقة الشمول فى استراتيجية أوباما فى ربطها: الأمن القومى بالأمن الداخلى أو بأمن الوطن، وفى ربطها الأمن الأمريكى بالأمن العالمى والكونى، وفى تأكيدها على تكامل الأداء الوظيفى للمؤسسات الأمريكية والتعاون الفاعل بين الأجهزة الحكومية والتناغم فى عمل المؤسسات الدولية، والشراكة بين المواطنين والقطاع الخاص وأنشطة الأعمال والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى، والتعاون بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، والتعاون بين السلطة التنفيذية والكونجرس، والتعاون بين أمريكا وحلفائها وشركائها.
كما أشارت استراتيجية الأمن القومى 2010 أيضا إلى مصادر تهديد الأمن القومى التى تشكل خطرا على الشعب الأمريكى والأمن العالمى التى تمثلت فى أسلحة الدمار الشامل خاصة النووية، ومن الفضاء، وقدرات الفضاء الإلكترونى التى تجعل حياتنا اليومية والعمليات العسكرية عرضة للاضطراب والهجوم، والاعتماد على الوقود الأحفورى الذى يلوث البيئة، والتغير المناخى والأمراض الوبائية التى تهدد أمن الأقاليم وصحة وسلامة الشعب الأمريكي، والدول الفاشلة التى تولد الصراع وتهدد الأمن الإقليمى والعالمى، والشبكات الإجرامية العالمية التى تغذى انعدام الأمن فى الخارج .
فقد ميزت الاستراتيجية بين مهددات الأمن، ولم تتجه إلى توسيع رؤيتها ليشمل ذلك كتلا قومية أو دينية بأكملها على نحو ما عملت إدارة بوش التى لم تميز بين الإسلام والإرهاب، ولم تفرق بين تنظيم القاعدة وغيره من جماعات الإسلام الجهادى الراديكالية فقد حصرت استراتيجية أوباما 2010 التهديد فى شبكة القاعدة.
فى الوقت نفسه أكدت استراتيجية أوباما على دعم التكامل والتعاون بين الأجهزة من خلال بناء منظومة أمن قومى شاملة، لا تتعاون فيها أجهزة الأمن القومى الأمريكية فقط، وإنما كل أركان الحكومة لضمان تكامل عناصر القوة القومية جميعها فيما يسمى منهج التعاون الحكومى الشامل الذى يتضمن تكامل كل أدوات القوة الأمريكية، من خلال الحفاظ على التفوق التقليدى للجيش وقدرة الردع النووى مع القدرة على خوض حروب، والاستثمار فى القدرات الدبلوماسية وقدرات التنمية، وتطوير القدرات الاستخباراتية، والتكامل بين منهج الأمن الداخلى والأمن القومى، والتكامل بين القوات المسلحة والمؤسسات المدنية، والتعاون الوثيق مع الكونجرس، ودعم التنسيق بين الوكالات والوزارات، والتأكيد على الدور الرئيسى للدبلوماسية فى الأمن القومى على غرار دور القوات المسلحة، والتأكيد على أن الاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية مكونات أساسية فى القدرة القومية، وأن التنمية ضرورة استراتيجية وأخلاقية واقتصادية، والتأكيد على تكامل وانسجام وحيوية أدوار الأمن الداخلى والاستخبارات والاتصالات الاستراتيجية.
أهداف إستراتيجية الأمن القومى للرئيس أوباما 2010:
أولا: تقوية التحالفات للقضاء على الإرهاب الدولى والتعاون لمنع الهجمات على أمريكا وأصدقائه: ونجد أن الرئيس وأوباما قد أدرك أهمية التحالفات والائتلافات فى تحقيق استراتيجيته، فضلا عن الحفاظ على الحلفاء التقليدين فى أوروبا وكندا والاتحاد الأوروبى الذى يعد شريكا للولايات المتحدة فى التجارة العالمية وحلف الأطلنطى الذى لجأ لأول مرة إلى المادة الخامسة من المعاهدة المتعلقة بالدفاع عن النفس، حيث إن وظيفته الرئيسية هى الدفاع الجماعى لتحالف الديموقراطيات.
غدا إن شاء الله نواصل طرح الخطط الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.