أزمة مسلمى الروهينجا ليست وليدة الأعوام الأخيرة، لكنها ظهرت على السطح بفضل حملات التضامن التى شنها البعض حول العالم، بعد تزايد جرائم ضد البشرية ترتكب ضد هذه الأقلية المسلمة فى بلد بوذى يغرق فى الفقر والجهل والديكتاتورية.
يصل عدد الروهينجا إلى مليون نسمة، 5 % من عدد السكان ذات الأغلبية البوذية، يوصفون بأنهم أكثر شعب بلا أصدقاء فى العالم، وقد حرم قانون الجنسية الميانمارى الروهينجا من الحصول على الجنسية، رغم أن الإسلام وصل إلى بورما فى القرن السابع الميلادى.
ومنذ نهاية الستينيات وعقب الانقلاب العسكرى، هاجر مئات الآلاف منهم إلى بنجلاديش، وفى نهاية السبعينيات غادر من أقليم راخين أكثر من نصف مليون شخص، مات منهم قرابة 40 ألف شخص حسب وكالة غوث اللاجئين، وفى نهاية الثمانينيات تم تهجير 150 ألف شخص بعد انتخابات فازت فيها المعارضة، انتقامًا من المسلمين، لأنهم صوتوا مع أهل البلاد لصالح المعارضة، كما أنه على خلفية أحداث 11 سبتمبر بأمريكا استولى البوذيون بدعم من الجيش على الكثير من ممتلكات وأراضى المسلمين.
وفى 2012 أعلن الرئيس البورمى أن الحل لهذه الأقلية المسلمة غير المعترف بها هو تجميعهم فى معسكرات لاجئين، أو طردهم من البلاد، لأنهم ليسوا فى عداد المواطنين المعترف بهم، ولأنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، كما أنهم ليسوا جزءًا من الإثنية فى بورما، وفى أكتوبر 2016 سجلت حملة عنيفة جديدة، حين شنّ الجيش البورمى عملية إثر مهاجمة مسلمين مراكز حدودية، وفر عشرات الآلاف من المدنيين من قراهم.
أما الأحداث الأخيرة، فقد تجددت بعدما قام عدد من مسلمى «جيش خلاص أراكان» بشن هجمات ضد مراكز الشرطة. وفى أغسطس الماضى شنت هجمات انتقامية واسعة ضد الروهينجا، وصلت إلى حد حرق المنازل عن طريق قنابل حارقة ألقتها مروحيات على منازل المسلمين، حسبما أفاد مراسل «نيويورك تايمز».. فما هذا الذى يحدث؟ ولماذا تنتشر مثل هذه الحوادث الإثنية والطائفية فى أنحاء العالم، سواء كانت من بوذيين ضد مسلمين، أو من مسلمين ضد مسيحيين أو العكس، أو من مسلمين ضد مسلمين، أو من مسيحيين ضد مسيحيين؟ هل الأديان السماوية والوضعية تؤكد ذلك الصراع، وتدعو إلى تلك المواجهات، وتقر رفض الآخر، بل سحقه وحرقه بهذه الأساليب المتخلفة وغير الإنسانية بالمرة؟
المتدينون يختلفون فيما بينهم حول العقيدة الدينية، حيث إن كل متدين يؤمن بصحيح دينه وحقيقة عقيدته، ولكن بالرغم من هذا الخلاف هل الأديان، مجمل الأديان، تدعو إلى استئصال الآخر نهائيًا، وكأن الله لم يخلق ولم يرضَ سوى عن أصحاب هذا الدين؟، أم أن الله أراد التعددية، بل أراد أن تدعو كل الأديان بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية التى تنتهى بالرغم من الخلاف إلى قبول الآخر، فهذه إرادة الله وواقع الحياة.
ولذا ليس غريبًا أن نرى أصحاب الأديان المتاجرين بها هم نفس النوعية البشرية مهما تعددت أديانهم، فالجميع يتاجر بالدين، ويدعى حمايته والحفاظ عليه، ويرفض الآخر، بل يريد أن يزيل هذا الآخر من الوجود، بما يتناقض مع كل القيم التى تحملها كل الأديان، مع العلم أن البوذية أيضًا يوجد من بين تعاليمها ما يكفل القضاء على العدوانية من خلال التأمل، لينمو التعاطف تجاه جميع الكائنات، وليس تجاه الإنسان فقط، ولكن ما سر هذا العداء من البوذيين للمسلمين، ليس فقط فى بورما بل فى دول بوذية أيضًا؟، ولماذا هذا العداء بين الهندوس ضد المسلمين فى الهند؟، ولماذا العداء من بعض التنظيمات السياسية التى تحمل اسم الإسلام السياسى فى مصر ضد المسيحيين؟
إنها المتاجرة بالدين.. إنه التعصب.. إنه الإرهاب باسم الدين، لذا نرى ما يتم ضد الروهينجا تتزعمه جماعة «969» بقيادة الراهب البوذى استين ديراثو، الذى قضى عقوبة السجن عام 2003 لاتهامه بالتحريض على الكراهية الدينية، وهو يشير إلى نفسه بـ «بن لادن بورما»، أى أن السلوك نفس السلوك، والأفكار نفس الأفكار للمنحرفين فى كل الأديان، ولأن هناك نسبة من الطائفية توجد داخل كل متدين، وإن اختلفت هذه النسب، من التمسك الطبيعى للدين إلى التعصب إلى التطرف إلى الإرهاب، لذا نرى هذه المواقف المتباينة والمتناقضة من الأفراد والتنظيمات والدول.. نرى المسلم يتحمس للمسلم، ونرى المسيحى ينحاز للمسيحى فى الوقت الذى يتناسى فيه الجميع القهر والاضطهاد الواقع على من هم من غير دينه، فهذا لا يهم، فهل هذه هى قيم وسلوكيات الأديان؟ أهذه مواقف إنسانية حقيقية تتوافق مع القيم الدينية؟ أم أنها مواقف طائفية تتمسح فى الدين وتتاجر بالأديان؟
نحن ضد ما يحدث للروهينجا باعتبار أنهم بشر.. نحن مع المسلم والمسيحى والبوذى، وكل من يؤمن بأى دين، أن يمارس حقه فى الحياة وفى ممارسة عقيدته.. هذه هى قيم الأديان، وطبيعة حقوق الإنسان.. دافعوا عن الروهينجا.. دافعوا عن حق الأقباط فى مصر أن يمارسوا عقيدتهم كمواطنين يحميهم الدستور والقانون، ولا يتحكم فيهم المتاجرون.. دافعوا عن المسلمين فى سوريا والعراق وفلسطين.. دافعوا عن كل مظلوم فى هذا العالم، حتى نكون قد اقتربنا من القيم الدينية الحقيقية.
كفى طائفية، وتمسكوا بصحيح الدين، وحافظوا على الإنسانية التى توحد الجميع.