لم ننته بعد من الحج على نفقة الرشوة، حتى اكتشفنا أن عددًا من نواب البرلمان ممن حصلوا على تأشيرات مجانية للحج، باعوها الواحدة بـ50 ألف جنيه.. وهو أمر فجرته بعض الشركات التى اشترت أو توسطت لشراء هذه التأشيرات، ولا نعرف كيف تحولت فكرة الحج أو العمرة إلى جزء من رشاوى تدفع أو تجارة.
فقد كشفت التحقيقات مع نائبة محافظ الإسكندرية عن وجود رحلات حج ضمن مبالغ الرشوة محل التحقيق، وهو ما أعاد قصص حصول عدد من الفاسدين السابقين مثل محافظ الجيزة الأسبق الذى طلب عمرة لأنه مخنوق ويريد الترويح عن «روحه» ولم يجد غضاضة فى أن يغسل روحه ويتعبد بمال رشوة، ونفس الأمر مع وزير الزراعة الأسبق المحبوس حاليا فى قضية رشوة، حيث اتضح أنه حصل على رحلات حج له ولعدد من أقاربه ضمن الرشاوى التى تلقاها من الراشين.
ومن مرتشين يقبلون ضمن الرشاوى رحلات حج وعمرة، إلى نواب البرلمان أو لنقل بعضهم ممن حصلوا على تأشيرات حج مجانية، والطبيعى أن النائب الموقر، طالما لم يستعمل التأشيرة يمكنه إعادتها أو منحها لمن يكون بحاجة لتأدية الفريضة، سواء من أبناء دائرته أو لجمعية خيرية، وللحق فقد فعل بعض النواب خيرا منهم من سافر ومنهم من تنازل عن التأشيرة، لمن هو أحوج لها من أبناء الدائرة أو الجمعيات، لكن عددا آخر أبوا إلا أن يتاجروا فى المنحة وحسب صاحب إحدى شركات السياحة باع بعض النواب تأشيراتهم بحوالى 50 ألف جنيه، وقفز السعر فى بعض الحالات إلى 95 ألف جنيه للتأشيرة.
وتم الكشف عن بيع التأشيرات بعد انتهاء موسم الحج، ليعيدوا للأذهان ما كان يفعله بعض نواب التأشيرات فى الحزب الوطنى، عندما كانوا يتاجرون فى التأشيرات مع شركات سياحة، والمثير للدهشة أنه عقب تفجر فضيحة اتجار بعض النواب الموقرين فى تأشيرات الحج، انقسم أعضاء البرلمان، بين من يطالبون بالتحقيق علنا فى الأمر وإعلان أسماء النواب المتورطين فى بيع التأشيرات المجانية لكن هناك بعض النواب يعتبرون القضية أمرا داخليا فى مجلس النواب، ولا يدرك أنصار التعتيم أنه فى حالة عدم الإعلان عن أسماء النواب المتورطين، فإن الاتهام سوف يظل معلقا فى رقاب باقى النواب.
ثم إن النائب شخصية عامة ويفترض أنه يمثل الشعب فى التشريع والرقابة، وليس مواطنا عاديا، وعندما يخالف القانون فهو هنا «قط يمسك بمفتاح الكرار». ولا يمكن الثقة فى نائب يتاجر فى تأشيرات حج مجانية، ومن يفعل ذلك لن يتورع فى الدخول فيما هو أكبر من استغلال نفوذ أو فساد وإفساد.
ثم إن التعتيم على مثل هذه القضايا، لا يمنع من تحولها إلى فضائح علنية فى زمن يستحيل فيه إخفاء أى شىء، ويفترض أن يكون التحقيق علنيا، والعقاب أيضا لأننا أمام ما يمكن وصفه بخيانة الأمانة، وفى نفس الوقت يفترض أن يستعيد الحجاج الذين اشتروا هذه التأشيرات المجانية ما دفعوه. ويتم تفعيل اللائحة على هؤلاء النواب المتاجرين فى تأشيرات الحج.