تبدو ظاهرة لافتة للنظر وبإلحاح يومي، ولا أحد يتصدى لها كما يبدو لى وللكثيرين غيرى سوى بعض صفحات شبكة التواصل الاجتماعى وبشكل عشوائي، من خلال استعراض صور لسيدات "خاطفات الأطفال" من مختلف الأوساط الاجتماعية المصرية، وآخرها حسناء شارع جامعة الدول العربية بفستانها الأسود القصير وهيئتها الأنيقة التى لا تدعو للشك على الإطلاق، والغريب أن كل هؤلاء وغيرهم من معدومى الضمير يعملون ليل نهار فى تجارة الأعضاء البشرية فى غيبة من وعينا بخطورة الظاهرة وتناميها بشكل يومى مخيف، دون وجود رادع قانونى حقيقى يمكن أن يوقف امتداد تلك الشبكات على كامل تراب هذا الوطن يومًا تلو الآخر.
الحقائق المذهلة تؤكد أنه بعد ثورة يناير مباشرة خاصة مع الإنفلات الأمنى بدأت ظاهرة خطف واختفاء الأطفال وأصبح الأهالى يعيشون فى حالة رعب وتزايدت الظاهرة بشكل مرعب، بحسب الإحصائيات فى هذا الصدد، فوفق تقرير صادر عن المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة مؤخرًا، فإن ظاهرة اختطاف الأطفال تزايدت فى الآونة الأخيرة حيث رصدت المؤسسة فى الأربعة أشهر الأخيرة أكثر من 40 حالة اختطاف أطفال من عمر عام إلى خمسة أعوام، واحتل الريف المرتبة الأعلى فى معدل انتشار الظاهرة، لتدنى مستوى الخدمات وتفشى الفقر مقارنة بالمدن، وكذلك رصد المجلس القومى للأمومة والطفولة عددًا أكبر خلال الربع الأول من هذه السنة، حيث خرجت الأرقام لتسجل وجود 125 حالة خطف واتجار بالأطفال وذلك حسب آخر إحصائيات رسمية.
وبالبحث عن الأسباب التى أدت إلى تزايد نسب خطف الأطفال فى المجتمع المصرى نجدها متعددة، فترجع النسبة الأكبر من اختطاف الأطفال - بحسب الخبير القانونى والباحث الاقتصادى د. عادل عامر - إلى تكوين تشكيلات عصابية لخطف الأطفال لطلب فدية من ذوى الأطفال المختطوفين، وفى المرتبة الثانية تأتى الخلافات الشخصية بين ذوى الأطفال والخاطفين، وغالبًا ما تكون بسبب الانتقام وتفشى ظاهرة العنف فى المجتمع المصرى التى غالبًا ما تنصب على الفئات الأضعف فى المجتمع ألا وهى الأطفال، تليها خطف الأطفال فى ظروف غامضة، ثم الخطف نتيجة مشاكل فى الإنجاب، ثم الخطف بهدف سرقة المصوغات الذهبية والاتجار بالبشر، وهناك العديد من حالات الاختطاف التى تتم بدون وجود أى أسباب، ومع تزايد حالات اختفاء وخطف الأطفال فى مصر؛ لجأت العديد من الأسر إلى مواقع التواصل الاجتماعى لنشر صور أبنائها المختفين، والإعلان عن مبالغ مالية لمن يدلى بمعلومات عنهم.
وأخشى ما أخشاه أن تجتاح هذه الظاهرة بلادنا وتتفشى فى أرجائها بشكل مخيف، لاسيما أن ظاهرة التسول باستخدام الأطفال صارت تتوسع وتستشرى، وتعدت نقاط إشارات المرور حتى وصلت لشوارع الأحياء!، وبات من غير المستغرب أن تجد امرأة تجلس على ناصية الشارع حولها أطفال تستدر عطف المارّة والعابرين!.
لقد انتشرت فى الفترة الأخيرة ظاهرة اختطاف الأطفال فى مصر وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتغافل عن هذه القضية، حتى باتت قضية اختطاف الأطفال تثير رعبًا كبيرًا بين أسر مصرية كثيرة، خصوصا الفقيرة منها، وذلك فى ظل تفاقم ظاهرة التسول بالأطفال يواكبه عجز القانون عن حمايتهم، فلم يعد اختطاف الأطفال مجرد حالة فردية بل امتد إلى كونه ظاهرة أصابت المجتمع المصرى بسبب زيادة مساحات استغلال الأطفال سواء فى عمليات التسول أو سرقة الأعضاء، وتشير الإحصاءات إلى إنه وصل عدد هؤلاء الأطفال لـ21 ألفًا و650 طفلًا متسولًا، وبذلك يحتل الأطفال النسبة الأكبر من أصل 41 ألف متسول داخل مصر، وما يشجع على ذلك - للأسف - قيام بعض الأسر بتأجير أطفالهم مقابل الحصول على رواتب يومية من معتاد التسول تصل لـ50 جنيهًا يوميًا، مقابل إيجار طفل صغير عمره ما بين 5 إلى 10 سنوات فى حين يصل إيجار الطفل المكفوف أو المعاق لـ75 جنيهًا ويتراوح إيجار الطفل الأصم أو المعاق ما بين 100 و200 جنيه يوميًا.
صحيح أن قانون الطفل ومكافحة الاتجار بالبشر وضع عقوبات رادعة لمواجهة أى سرقة لأعضاء الأطفال وخطفهم، وهو ما يضع الكرة فى ملعب المجتمع المصرى الذى يحتاج أن يكون لديه وعى داخل الأسرة المصرية، لذا نناشد الآباء والأمهات بضرورة ملاحظة أبنائهم وعدم التفريط فيهم وعدم الثقة الزائدة فى أى شخص، حيث إن ذلك يكون فى الكثير من الأحيان سببًا من أسباب نمو ظاهرة الخطف للأطفال، كما نشدد على ضرورة التنبيه على الآباء والأمهات بتنبيه أطفالهم بعدم الحديث مع شخص غريب وغيرها من التعليمات التى تتعلق بالحفاظ على الأبناء من الاختطاف، مع تأكيدنا على أن إهمال الأسر لأطفالهم فى الميادين العامة فى دولة مثل مصر قد يساهم فى ارتفاع معدلات اختطاف الأطفال بل وغسيل مخهم من أجل العمل.
جدير بالذكر فى قلب تلك الحقائق المؤلمة أن ظاهرة خطف الأطفال تنتشر فى الريف بنسبة 70%، مقابل 30% فى الأماكن الحضرية، ويرجع ذلك إلى ارتفاع مستوى الفقر فى الريف وتدنى الخدمات به مقارنة بالحضر، كما أن تزايد معدلات خطف الأطفال يرجع إلى حالة الانفلات الأمنى بعد ثورة يناير وانتشار الأسلحة وتوافر الجرأة لدى الجناة، وسهولة ارتكاب وقائع الخطف وابتزاز أهالى الضحايا، ومن الأمثلة على مثل هذه القضايا، اختطاف الطفل "محمد إبراهيم" الذى اختفى من منزله فى ظروف غامضة، ولم تعثر عليه أسرته إلا وهو جثة هامدة ملقاة فى أحد شوارع قرية "بشتيل" بمحافظة الجيزة فى مارس 2017، وقد اضطرت العديد من الأسر المصرية للجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعى ونشر إعلانات عن مفقوديهم، بعد أن عجزت السلطات عن ضبط الجناة وإعادة أطفالهم إلى منازلهم.
وإذا كان الوضع الأمنى حاليًا أفضل بكثير مما مضى بحيث يمكن إحكام القبض الأمنية على المجرمين الذين يرتكبون مثل تلك الأفعال الشائنة، فإنه لا بد من تشديد عقوبة الخطف فى القانون، بحيث تبدأ العقوبة من السجن 5 سنوات حتى المؤبد، ويرى قانونيون أن تصل فى بعض الحالات إلى الإعدام فى حالة وجود هتك عرض للطفل، ولكن ذلك غير كافٍ ولا يشكل ردعًا حقيقيًا ضد مرتكبى هذه الجرائم، خاصة أنها تتعلق بحق أطفال صغار ليسوا فى كامل أهليتهم، ولذلك نحن بحاجة إلى ثورة تشريعية تغلظ العقوبات على مرتكبى مثل هذه الوقائع، تجعل الخاطفين لا يواجهون سوى عقوبة واحدة، وهى الإعدام، انطلاقًا من مبدأ أن العدل البطيء ظلم، وكلما كان العقاب سريعًا سيطرنا على هذه الحوادث.
وهنا لابد أن نلفت النظر إلى أن الدولة هى المنوطة بحماية الأطفال مما يتعرضون له، حيث صدقت مصر على اتفاقيات دولية فى هذا الصدد، مثل اتفاقية حقوق الطفل وقانون الطفل لعام 2008، حيث ينص على عقوبة 5 سنوات جناية لمجرد استغلال الطفل، كما أن قانون الاتجار بالبشر به نص مباشر عن الأطفال برقم 64 لعام 2010 - بحسب إبراهيم مصيلحي رئيس هيئة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين - والذى يشدد على أن قانون العقوبات المصرى بداية من رقم 283 إلى 290 يحتاج إلى تطوير، لأن به عقوبات هزيلة لا تتناسب مع عقوبة الخطف، ولكن المجمل العام القانون المصرى جيد ويردع أى اتجار بالبشر، ولا ريب أن الوقاية والاحتياط والتصدى للأخطار قبل وقوعها خيرٌ من مواجهتها أو علاجها! أن عملية استخراج شهادات الميلاد فى الحضر يحكمها قليل من القوانين مثل شهادة المستوصف والطبيب المباشر والمستشفى المولود الطفل به، لكن القسم الأكبر من حالات الولادة التى تتم فى القرى النائية والفقيرة تتم فى المنازل حتى بدون "داية"، وكان يقوم بالتبليغ عن الولادة العم أو الأب فقط، ولكن الحقيقة أن آليات إثبات الولادة فى المناطق النائية فقيرة جدًا ولا تخضع لعمليات تحقق لصحة البيانات، عن مكان الولادة وما إلى ذلك.
تبقى نقطة أخيرة غاية فى الأهمية وهى: لابد من وجود روشتة أمنية تكفل للأجهزة الأمنية اتخاذ إجراءات جديدة لفرض سيطرتها على المناطق النائية، تتمثل فى انتشار دوريات سيارات الشرطة داخل المحافظات، وسرعة الاستجابة على الخطوط الساخنة للبلاغات، ومعاقبة من يثبت تقصيره فى التعامل مع بلاغات واستغاثات المواطنين، هذا إلى جانب الوعى المجتمعي، والتنبيه بمخاطر ظاهرة اختطاف الأطفال، وأيضًا الاستسلام لطلبات الخاطفين التى تعد أبرز أسباب انتشار هذه الجريمة مؤخرًا، وفوق هذا وذاك يبقى دور الأسرة مهما للغاية عن طريق تشديد الرقابة على الأطفال لحمايتهم من التعرض لجرائم الاختطاف من قبل الأسرة، وتربيتهم على قواعد معينة بغرض الحماية، أهمها عدم السير مع الغرباء والابتعاد عن المنزل، فضلاً عن الدور الأمنى فى إحكام السيطرة على الأوضاع بالشارع المصرى الأمر الذى من شأنه حصار تلك الجريمة ومنع انتشارها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة