أمر مثير للانتباه أن تترك تركيا الإعلاميين المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية يبثون سمومهم، ويوجهون شتائمهم القذرة بشكل يومى ضد السعودية وقادة المملكة، فى حين أن السلطات التركية تبدو ظاهريًا حليفة للمملكة، ورئيسها دائم الزيارة للرياض.
تناقض شديد لا تفسير له، إلا أن رجب طيب أردوغان يلاعب الجميع بعناصر الجماعة الإرهابية، يلاعب حتى الدول الحليفة له مثل السعودية، وخير شاهد على ذلك ما يقوله بشكل يومى الإرهابى الهارب محمد ناصر، الذى استغل برنامجه اليومى المذاع من تركيا للتطاول على العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعلى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، وعلى الدولة السعودية بشكل عام، يحدث ذلك دون أى تدخل من الحكومة التركية، وكأنها تبارك هذا الهجوم، خاصة أن قناة الشرق، التى يظهر محمد ناصر عبر شاشتها تديرها المخابرات التركية، وتتولى المخابرات القطرية تمويلها، وهو ما يؤكد أن هجوم ناصر وغيره من الإرهابيين المقيمين فى تركيا على السعودية وقادتها هو هجوم ممنهج، وبعلم من السلطات والحكومة التركية.
مفهوم أن تسمح تركيا بل وتمول القنوات المشبوهة التى تهاجم مصر ليل نهار، لأن أردوغان يكره ثورة 30 يونيو والنظام المصرى، منذ خلع المصريين لنظام الإخوان الفاشى، لكن هل يكره السعودية أيضًا، وإذا كان بالفعل يكرهها ويريد الانتقام منها فلماذا يتردد عليها دائمًا، ويحاول الظهور فى شكل الحليف الإستراتيجى؟!
من المفهوم للجميع أن أردوغان لا صديق له، بل إنه يسعى دومًا لفرض سيطرته وسطوته على الكل، لأن حلم الخلافة مازال يسيطر عليه، ويعتبر نفسه السلطان المخول بحكم العالم، لكن لم أتوقع أن يظهر نفسه بهذا التناقض الشديد، فيظهر فى العلن حليفا وفى الخفاء يترك أبواقه الإعلامية لتهاجم قادة المملكة؟
السؤال الآن: إذا كانت تركيا تسعى لعلاقات قوية مع المملكة لماذا تؤوى هذا الإرهابى وغيره وتمول برامجهم التى تهاجم المملكة؟، ولماذا لا تطرد هؤلاء الإرهابيين الذين لم يكتفوا بمهاجمة بلدهم مصر بل أصبحوا أداة للهجوم على الدول العربية؟ إذا كانت تركيا ترغب فى علاقات قوية مع السعودية، كيف تمول هذه القنوات وتوفر لها الدعم الكامل؟، فمحتوى الهجوم الذى تشنه قنوات الإخوان يتعلق بأمور داخلية تخص الشأن الداخلى السعودى، وهو الأمر الذى يجب أن تبتعد عنه تركيا وتوقف دعمها لمثل هذه القنوات.
من المعروف للجميع أن أردوغان يتبع مع من يعتبرهم حلفاء لعبة القط والفأر، فهو يحاول قدر الإمكان الاستفادة من أى علاقة، حتى إن كان على حساب الدولة الأخرى، فعلها من قبل مع روسيا، وأيضًا مع إيران، التى كان يجمعهم خندق واحد، ثم فرقتهم الأزمة السورية، وعاد مرة أخرى للارتماء فى أحضان ملالى إيران طمعًا فى مصالحة مؤقتة مع الدب الروسى، الذى استشاط غضبًا من أنقرة حينما استهدفت طائرة عسكرية روسية ومن بعدها مقتل سفير موسكو لدى تركيا على يد ضابط الحراسة التركى، فحينما حاول أردوغان أن يصالح روسيا غير فى استراتيجيته المعارضة للنظام السورى وللموقف الروسى والإيرانى، وخالف تحالفه مع السعودية، وذهب إلى التحالف مع روسيا وإيران.
التغير فى المواقف والاستراتيجيات مبدأ يعيش عليه دومًا أردوغان، فهو يريد حصد المكاسب بشكل دائم، حتى إن كان على حساب الحلفاء، لكن لم يتوقع أحد أن يصل به المدى إلى تمويل قنوات وشخصيات إخوانية كل مهمتهم توجيه السباب والشتائم للسعودية، وفى نفس الوقت يحل ضيفًا على المملكة، وكأنه برىء تمامًا مما تبثه القنوات الإخوانية التى تمول وتدار من داخل العاصمة التركية، فالكل يعلم أن الموضوعات والتقارير التى تناقش وتظهر على القنوات الإخوانية لا تخرج إلا بموافقة من المخابرات التركية، التى تتدخل كثيرًا لتحديد حتى ضيوف البرامج، والموضوعات التى سيتم مناقشتها، وهو ما يؤكد أن الهجوم على المملكة وقياداتها جاء بترتيب وعلم المخابرات التركية، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول هذا التناقض التركى فى التعامل مع دولة لها ثقلها فى المنطقة، وبمثابة الحليف القوى لتركيا وهى السعودية.
لا يختلف اثنان على دناءة تفكير شخص مثل أردوغان، وأنه لا يفكر سوى فى نفسه وما يخطط له مستقبلًا، وأن حلم الخلافة هو المسيطر على عقله، لكن أن تصل به الدناءة لضرب حلفائه بهذه الطريقة، فالأمر يحتاج لوقفة خاصة من الأشقاء فى السعودية، فهم بحاجة لإعادة تقييم موقفهم وتعاملهم مع أردوغان، لمعرفة السبب الذى دعاه لأن ينفق هذه الأموال على قنوات إخوانية لا تكل، ولا تمل من الهجوم على السعودية والعاهل السعودى وولى العهد، وهل وصلت به الخساءة والدناءة إلى هذه الدرجة.
قد يتحجج أردوغان بأنه لا يعلم شيئًا عما حدث، إذن الحل فى يديه، فإذا كان بالفعل مغيبا عما يحدث فى القنوات الإخوانية الممولة من المخابرات التركية، ويريد أن ينفض يديه من هذا السلوك الدنىء، فلماذا لا يطرد كل من هاجم السعودية؟ لماذا يبقى على إرهابى مثل محمد ناصر على الأراضى التركية ويوفر له المسكن والمرتب، وفى نفس الوقت يضرب حلفاء تركيا؟ إذا كان أردوغان فعلا يريد أن ينفض يديه، فليس أمامه إلا طرد المتورطين فى هذه الجريمة، وإن كنت أشك فى ذلك، لأنه فى النهاية على دراية تامة بما حدث، بل إنه يباركه.