يعود بنا شلومو نكديمون مؤلف كتاب «الموساد فى العراق ودول الجوار» إلى المرحلة، التى أسست للاتصالات الكردية الإسرائيلية، على أيدى الأمير بدير خان، ويلقى المؤلف الضوء على موقع عائلة «خان» فى التاريخ الكردى الحديث وعلاقتها بالدولة العثمانية، وكذلك دورها فى محاولة الحفاظ على الثقافة والهوية الكردية، والعمل على إبقاء اللغة الكردية وتجديدها، وما يهمنا فى هذا الأمر هو رصد تلك العلاقة، التى ربطت بين إسرائيل و«بدير خان».
يؤكد الكتاب أن الإسرائيليين صاحبوا وعايشوا «خان» فى مراحل مختلفة من حياته، لكن «موريس فيشر» كان أول من اكتشفه، و«فيشر» من مؤسسى وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأثناء الحرب العالمية الثانية انضم بقرار من «الوكالة اليهودية» إلى جيش فرنسا الحر، بقيادة شارل ديجول، للقيام بمهام سرية تتعلق بالأقليات فى المنطقة، وأقام فى بيروت فترة، وكانت العاصمة اللبنانية وقتئذ وكرًا للجواسيس وأجهزة المخابرات العالمية، أثناء ذلك تعرف «فيشر» على «بدير خان»، وتتذكر حية فيشر «أرملة» موريس»: «كان الأمير بدير يحل ضيفا دائما فى بيتنا فى بيروت، وفيما بعد أيضا فى إسرائيل، وكان زوجى يحكى له الكثير حول إحياء اللغة العبرية على أيد «اليعازر بن يهودا»، وكان الأمير يبدو شديد الحماس للقضية بصورة تؤكد أن القضية اليهودية و(أرض إسرائيل) ليسا غريبين لديه».
تضيف زوجة «موريس فيشر»: «قام زوجى بإعداد بحث شامل حول الأكراد، واستعان برهبان يسوعيين من أجل إعداد خارطة توضح جميع حدود كردستان، وكان بدير خان يستخدم هذه الخارطة من أجل دعم أقواله وإثباتها»، وينتقل المؤلف «نكديمون» إلى المرحلة التالية فى الاتصالات بين «بدير» وإسرائيل، وجرت بين «بدير» والمقدم يهودا بن ديفيد نائب الملحق العسكرى فى السفارة الإسرائيلية فى باريس ومسؤول الاتصالات مع الجهات الاستخباراتية المحلية والأجنبية، وينقل المؤلف عن بن «ديفيد» أن «بدير» قال له: «أريد أن تعرف السبب، الذى حدا بى للاتصال بكم أنتم الإسرائيليون، نحن الأكراد نشبهكم إلى حد ما، والشبه بيننا وبينكم هو أننا ممزقون بين خمس دول وأن هذه الدول استخدمتنا واستغلتنا لأغراضها الخاصة، وأن هذه الدول لم تكن تعتزم ولو لمرة واحدة منحنا الحكم الذاتى».
ويضيف «بن ديفيد»: «كان بدير خان يتنبأ بشرق أوسط ممزق إلى وحدات طبيعية، تحظى فيه كل مجموعة أو طائفة عرقية بحق تقرير المصير فى إطار حدود معقولة تمكنها من تجذير استقلالها الحضارى، وكان يدرك أن هذا الحلم والنبوءة لن يتحققا بين عشية وضحاها، لذا اقترح أن تحظى الطوائف والمجموعات العرقية فى مسار مرحلى بالحكم الذاتى، فى إطار الدول التى تعيش فيها، وأن نهاية الحكم الذاتى ستحل فى يوم ما إن آجلا أو عاجلا، وحينها سينشأ شرق أوسط جيد، متعدد الدول، التى ترتبط ببعضها البعض فى صورة اتحادات كونفدرالية، وكان يعتبر إسرائيل بمثابة شريك طبيعى فى الاتحاد الكونفدرالى، نظرًا لكونها دولة غير عربية وصغيرة، ولتمتعها بكل تلك القوة العسكرية الهائلة، التى تثير مخاوف العراق وسوريا»، وطبقا لـ«بن ديفيد» فإن بدير خان كان يقول: «وجود إسرائيل هو السبب الذى يمنع العراق من استخدام قوتها لتدمير الأكراد».
يؤكد «بن ديفيد» أن بدير خان ساعد إسرائيل على إجراء اتصالات سرية مع بعض الدول العربية قبل عام 1948، وأنه كان عميلا إسرائيليا ولكن ليس بالمفهوم الكلاسيكى للعملاء، وإنما يقوم بتنفيذ تكليفات إسرائيلية حساسة مقابل خدمات لصالح القضية الكردية، وفى هذا السياق نفذ عددا من المهام فى دمشق وبيروت والقاهرة بتكليف من إسرائيل.