هل جربت ذات مرة أن تزور مستشفى عامًا، وتظل فيه بعضًا من الوقت، تتأمل ما يحدث هناك، وأن تلاحظ القدر الكبير من الوجع الذى ستقع عليه عيناك، والأطفال الذين تمتلئ عيونهم بالدمع من الألم، والحزن الذى يسيطر على الآباء والأمهات فى رحلة البحث عن مكان داخل هذه المستشفيات.. جرب ذلك، وأتمنى أن تجربه فى إحدى قرى الصعيد أو مدنه.
يحتاج الصعيد مزيدًا من العناية فى كل المجالات المختلفة، وأول هذه المجالات هو الرعاية الطبية، لأن أهلنا هناك يعانون نقصًا كبيرًا فى هذه الناحية، سواء فى عدد المستشفيات والمراكز الطبية، أو فى الأجهزة والمواد اللازمة، ومؤخرًا تعمل جامعة أسيوط على إنشاء مستشفى الإصابات والطوارئ الجامعى، التابع لمستشفيات كلية الطب جامعة أسيوط، وهو أمر يحتاج إلى مساعدات كثيرة للانتهاء منه.
كان المستشفى الجامعى بأسيوط، الذى يطلق الناس عليه «قصر العينى»، عبر سنوات طويلة واحدًا من أهم وأكبر المواقع الطبيعة فى الصعيد كافة، يأتى إليه المرضى والمصابون يحملون أوجاعهم من أقصى الصعيد آملين فى الشفاء والعودة سالمين إلى قراهم البعيدة.
كانت المدينة فاتحة أبوابها طوال الوقت للآباء والأمهات القادمين يحملون طفلهم المريض من قرى لا يعلم بها إلا الله، باحثين عن مكان وسط الزحام حتى ينال هذا الطفل رعاية يستحقها، ولا أظن أن مستشفى أسيوط الجامعى تأخر أبدًا فى تقديم يد المساعدة يومًا ما إلى أبناء الصعيد أو غيرهم.
وعلينا أن نعرف أن الظروف تغيرت، وصار المطلوب أكثر من قدرات هذه المؤسسات، وصرنا نحتاج مستشفيات جديدة، وأجهزة متطورة بها علاجات جديدة أكثر تأثيراً، وكل ذلك يحتاج إلى معاونة مجتمعية لا يمكن تأخيرها، بل هى من أولويات ما يقوم به الإنسان من خير فى حياته.
أصبح الحل الذى نطالب به طوال الوقت هو المجتمع المدنى، سواء عن طريق مؤسسات تقوم بذلك أو أشخاص فرادى، والله سبحانه وتعالى رزق الصعيد بأبناء ناجحين فى مجالات مختلفة، معظمهم غادر الجنوب وسعى ناحية الشمال فى محاولات موفقة للبحث عن الرزق، وبعضهم استقر فى دول أخرى خارج مصر، وفتح الله عليه من رزقه الواسع، المهم أن هؤلاء جميعًا، والذين لا يمكن حصرهم على طول خط الصعيد، يستطيعون الآن وبقليل من المشاركة، لا نقول يردون الفضل، أو يسددون ما عليهم، لكن نقول إنهم يستطيعون أن يقدموا نموذجًا جيدًا للجميع، وذلك بالمشاركة فى مثل هذه المشاريع العلاجية التى يستفيد منها فقراء الوطن.
لن يطالبهم أحد بأن يقدموا مقدار كذا أو كذا من أموالهم، لكن يقدمون ما يرونه مناسبًا، والقليل سوف يكثر بالناس، والله سوف يبارك فى الخير، حتى نجد كل شىء قد تم على خير وبركة.
وما نقوله ليس غريبًا، ففى كل العالم أصبح المجتمع المدنى هو العصا السحرية التى من الممكن أن تغير الحال، وتحقق ما يبدو مستحيلًا أمام الجميع، لذا فى انتظار أبناء الصعيد أن يقوموا بدورهم فى حق أهلهم والوطن.