يطرح البعض الآن سؤالا: «هل نحن فى الطريق إلى تحقيق الانتصار النهائى على داعش؟».. السؤال تفرضه الانتصارات التى تتحقق فى سوريا والعراق ضد التنظيم الإرهابى ولبنان هذه الأيام، لكن هناك سؤالا لا يقل أهمية هو: «كيف ذهبنا إلى داعش؟»، وهذا السؤال تتبعه أسئلة أخرى هى: من الذى رسم الطريق؟ ومن الذى حفره؟ من الذى مول؟ ومن الذى خطط؟ ومن الذى نفذ؟
هذه الأسئلة يطرحها ويجيب عنها الكاتب الصحفى المحترم وائل لطفى فى كتابه «الطريق إلى داعش»، الصادر مؤخرا ضمن سلسلة الكتاب الذهبى المهمة، التى تصدرها «وز اليوسف»، وهو الكتاب الذى يعد مكملا لكتاب «ظاهرة الدعاة الجدد» الذى حصل به «لطفى» على جائزة الدولة التشجيعية عام 2007، والإجابة التى يقدمها ليست من نوع: أن جهاز المخابرات الفلانى هو الذى خطط وكون «داعش»، وأن الدولة الفلانية هى التى دفعت له الأموال، ودولة أخرى دربت قيادته، فهذه إجابات نقرأها فى تقارير إخبارية كل يوم بمعلومات مختلفة، أما الإجابة الأهم فتكمن فى البحث عن أسرار البيئة التى تتولد فيها الأفكار المتطرفة، ويترعرع فيها الانحراف الدينى الذى يهيئ الظروف لداعش وغيره، ويعترف وائل لطفى صراحة بأننا وفرنا هذه البيئة، ويطرح أسانيده ومنها: «الذين مهدوا الطريق إلى داعش كثيرون، منهم أولئك الذين باعوا الهوية المصرية بثمن بخس، والذين أجروا العقل المصرى مفروشا لمشايخ الصحراء، والذين تركوا الفراغ والخواء يلتهمان المصريين، الذين باعوا الرواق لحساب الخيمة والجبة والقفطان لحساب العقال والدشداشة».
«الطريق إلى داعش» هو مجموع المعركة التى خاضها «لطفى» على صفحات مجلة روزاليوسف ضد التطرف الدينى والفكرى بمختلف معانيه، وضد مظاهر الانحراف فى الظاهرة الدينية، ويشير «لطفى» فى مقدمة كتابه إلى مسألة مهمة بدأت من عام 1998، ففى هذا العام أصدرت الجماعة الإسلامية مبادرتها المعروفة بمبادرة وقف العنف، ومعها بدا أن ثمة تغييرات فى المشهد كله أهمهما ظهور «الدعاة الجدد» وهى التسمية التى أطلقتها «روز اليوسف» على جيل من الدعاة كان له سمات شخصية وخطابية ومظهرية مختلفة عما قبل أبرزهم عمرو خالد، وتبنى بعض مراكز السلطة الحساسة فى مصر لهم، واعتبروهم بديلا آمنا لجماعات التطرف والعنف، وحسبما يذكر «لطفى»: «أصبحنا لأول مرة أمام فرع من السلطة يؤيد هذه الحركة الواسعة، ويمنحها مساحات للتأثير فى المجتمع وفى صفوته الاجتماعية والاقتصادية تحت دعوى بعد هؤلاء الدعاة عن السياسة، ولم يكن ذلك صحيحا، وكان الصحيح أن أغلبيتهم كانوا على علاقة فكرية وتنظيمية بجماعة الإخوان، وأنهم كانوا ينفذون خطة أطلقنا عليها فى روزاليوسف «خطة اختراق الصفوة».
خاض «لطفى» المعركة ضد ما سماه بـ«خطة اختراق الصفوة»، وذلك عبر سلسلة مقالات نشرها على صفحات مجلة روزاليوسف، وهى التى ضمها الكتاب الذى بين أيدينا، ويذكر أنه بعد سلسلة من المقالات تم منع عمرو خالد من الخطابة، لكنه لم يكن يطالب بمنعه وإنما بمقاومته وهذا هو الاختيار الأصعب، وكان المقصود بالمقاومة هو أن تتبنى الدولة مشروعا فكريا سياسيا يقاوم التطرف الدينى ويشغل عقول الشباب وأوقاتهم ولا يتركهم نهبا للفراغ الثقافى والسياسى الذى يشغله عمرو خالد وأمثاله من هؤلاء الدعاة الذين يقدمون شروحا استهلاكية وتجارية للدين تحوله من فلسفة لفهم العالم وإعمار الأرض لمجموعة طقوس شكلية فارغة ولوقود يساهم فى أحلام الخلافة وأستاذية العالم.
هل تحقق شىء من هذا المشروع الذى من شأنه مواجهة التطرف والإرهاب؟
غدا نلتقى