تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي المرتقبة للصين خلال الفترة من 3-5 سبتمبر، تلبية لدعوة وجهها له الرئيس الصينى شى جين بينج لحضور قمة مجموعة البريكس تحت عنوان "شراكة أقوى من أجل مستقبل أكثر إشراقاً"، والتى ستعقد بمدينة شيامن الصينية، لتعكس ما وصلت إليه العلاقات الاستراتيجية بين مصر والصين خلال الأعوام القليلة الماضية من رسوخ وتميز لم يصلا إليه من قبل على مدى أكثر من ستين عاماً من علاقات الصداقة والدعم المتبادل.
كما تعد هذه الدعوة أيضاً اعترافاً بأهمية الإصلاحات التى يشهدها الاقتصاد المصرى، وبالخطوات الإيجابية التي تحققت فى مختلف محاوره، خاصة جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر. هذا بجانب ما تعكسه هذه الدعوة، من تقدير متجدد من جانب القيادة الصينية لمكانة مصر الاستراتيجية المهمة على الصعيدين الإقليمى والدولى، لاسيما فى ضوء ما تمتلكه مصر من إمكانات سياسية واقتصادية وثقافية هائلة.
شراكة استراتيجية
ويشير تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات بمناسبة زيارة الرئيس السيسى للصين، إلى أن العلاقات السياسية بين مصر والصين قد مرت بالعديد من المراحل طيلة العقود الستة الماضية، وتميزت كل مرحلة منها بسمات وخصائص محددة. وتمثلت السمة الأبرز التى صبغت هذه العلاقات – ولا تزال –في الدعم السياسي من كل من البلدين للآخر، حيث أيدت الصين دائما مواقف واختيارات القيادة والشعب المصريين. فأيدت قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس، وأدانت بشدة العدوان الثلاثي على مصر وأكدت دعمها لنضال الشعب المصري من أجل حماية سيادة الدولة والاستقلال الوطني، وخرج نحو 500 ألف مواطن صيني في بكين ونحو مائة مليون من الجماهير بأنحاء الصين، في مظاهرات واسعة النطاق لمدة ثلاثة أيام ينددون بالاعتداء البريطانى - الفرنسى - الإسرائيلى ويدعمون النضال العادل للشعب المصري. وأيدت الصين بشكل تام كافة المواقف التي اتخذتها مصر خلال العدوان الإسرائيلى فى الخامس من يونيو عام 1967. كما أيدت الصين جهود مصر لاستعادة شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلى.
وفى المقابل، كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وكانت هذه الخطوة نقطة فارقة فى علاقات الصين الدولية فى ظل مناخ الحرب الباردة، حيث كان لدور مصر الرائد على المستويين العربى والأفريقى تأثيره الكبير على الساحة الدولية، وتوالى الاعتراف بعد هذا بجمهورية الصين الشعبية. كما أكدت مصر موقفها الثابت بوجود دولة واحدة للصين هى جمهورية الصين الشعبية، وسعت للتوسط فى الحرب الهندية – الصينية عام 1962.
كانت حقبة التسعينيات من القرن العشرين فترة بالغة الأهمية فى العلاقات المصرية – الصينية، حيث تميزت بكثافة التبادلات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وزادت حركة السفر والسياحة بين البلدين وصولاً إلى إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية عام 1999.
وبحلول القرن الحادى والعشرين دخلت العلاقات المصرية – الصينية مرحلة جديدة ترتكز على التعاون والشراكة الاستراتيجية، فما حدث عام 1999 من توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين كان علامة فارقة في علاقات البلدين التي اتخذت أبعاداً جديدة، سياسية واقتصادية وبرلمانية وثقافية وسياحية وشعبية وحزبية، فقد بات التفاهم والتنسيق السياسي بينهما شاملاً. وتجسد هذا في اللقاءات والزيارات المتعددة لكبار المسئولين، إضافة إلى اللقاء السنوي الدوري لوزيري خارجية البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المحافل الدولية الأخرى. وقد تكثف التعاون والتنسيق الدائم بين البلدين بعد إقامة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي (FOCAC) الذي يمثل الإطار الرئيسي للتشاور والحوار بين الصين والقارة الأفريقية في عام 2000.
الصين تدعم خيارات شعب مصر
خلال مرحلة التحول السياسى التى شهدتها مصر منذ عام 2011، أكدت الصين احترامها لإرادة الشعب المصري ورفضها أي تدخل خارجى فى الشئون الداخلية لمصر.
وفي الخامس من يونيو عام 2014 هنأ الرئيس الصيني شي جين بينج الرئيس عبدالفتاح السيسي بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية، معبراً عن رغبته فى تطوير العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات.
وفي 9/6/2014 التقى الرئيس السيسي بالقاهرة مع المبعوث الخاص للرئيس الصيني شي جين بينج، وزير الصناعة والمعلوماتية الصيني "مياو وى" والذى مثل الرئيس الصينى فى مراسم تنصيب الرئيس السيسي.
وفي 2 أغسطس 2014 عقدت أول جولة للحوار الاستراتيجي بين مصر والصين. وفي 17 سبتمبر 2014 شكلت مصر لجنة وزارية تسمى "وحدة الصين" لتعزيز ومتابعة العلاقات بين البلدين.
وفي 22 نوفمبر 2014 اتفق البلدان خلال زيارة المبعوث الخاص للرئيس الصيني "منج جيان تشو" على تعزيز التعاون الاستراتيجى بينهما والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بما يتناسب مع امتدادها على مدى 60 عاماً.
تأييد صيني لخارطة الطريق
رحبت الصين فى 20 يناير 2014 على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية بموافقة الشعب المصرى على الدستور الجديد كخطوة هامة وإيجابية في الانتقال السياسى في مصر، كما عبرت بكين عن أملها في أن تواصل مصر التقدم في عملية الانتقال السياسى الشامل طبقاً لخارطة الطريق التي أعلنت في 3 يوليو عقب ثورة 30 يونيو 2013 بطريقة منظمة وأن تحقق الاستقرار الوطنى والتنمية فى أسرع وقت ممكن.
وعبرت الصين في أكثر من مناسبة، عن رفضها للعنف والأعمال الإرهابية التي تعرضت لها مصر أفراداً ومنشآت حكومية وخاصة، مؤكدة إدانتها الكاملة للعنف الإرهابى ضد المدنيين وقوات الشرطة والجيش. كما تواجه الصين ومصر تحديات أمنية متشابهة تتطلب منهما تعاوناً أوثق لتبادل المعلومات والخبرات، فمصر لديها خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب بينما تتمتع الصين بقدرة عالية في مجال أمن المعلومات ومكافحة جرائم الانترنت بأنواعها.
16
لقاء قمة بين قادة البلديندشن اللقاء الأول الذى جمع بين الرئيس جمال عبدالناصر ورئيس مجلس الدولة الصيني شو إن لاي خلال الفترة من 18 حتى 24 أبريل عام 1955، على هامش مشاركتهما في المؤتمر الأفروآسيوي بمدينة باندونغ بإندونيسيا، البداية الحقيقية للتعارف بين القيادات السياسية في البلدين. ثم شهدت هذه العلاقات منذ التاريخ المذكور وحتى الآن عقد 16 لقاء قمة بين قادة البلدين، 11 منها حتى أغسطس عام 2012، فيما عقدت 5 قمم مصرية – صينية خلال السنوات الثلاث الأخيرة جمعت كلها بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جين بينج بما في ذلك القمة الحالية .
11
مليار دولار حجم التبادل التجاري بين البلدينوعلى الصعيد الاقتصادى، يقول تقرير هيئة الاستعلامات، إن الصين أكبر شريك تجاري لمصر، وتعتبر مصر ثالث أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا.
وعلى صعيد الاقتصادي والتجاري، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 12.2 مليون دولار عام 1954 إلى 452 مليون دولار عام 1995، ثم إلى أكثر من 10 مليار دولار عام 2013، أى أنه تضاعف نحو ألف مرة خلال الستين عاماً الماضية. وفي عام 2016 بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 11 مليار دولار.
وبالنسبة للتجارة السلعية، بلغت صادرات مصر للصين 488 مليون دولار عام (2013-2014)، وجاءت بكين فى المركز العاشر بين أهم الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية. وتتركز صادرات مصر للصين في مواد البناء والكيماويات والأسمدة والجلود. وفي المقابل بلغت واردات مصر من الصين خلال نفس الفترة 4986 مليون دولار، وتعد الصين ثالث أكبر مورد للسلع إلى مصر، ويبلغ العجز في الميزان التجاري بين البلدين 4498 مليون دولار لصالح الصين.
ومع اتجاه مصر نحو تحديث اقتصادها وتعزيز علاقاتها الخارجية مع مختلف القوى الكبرى في العالم، ومع إعلان الصين في عام 2013 عن مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وقيام مصر في أغسطس 2014 بتدشين مشروع تنمية محور قناة السويس، فإن هناك آفاقاً واعدة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، لاسيما وأن هناك ارتباطاً بين المشروعين، فقناة السويس هي الجسر الذي يربط بين طريقي الحرير البري والبحري بكل من أوروبا وأفريقيا وصولا إلى الأمريكتين.
600
مليون دولار استثمارات صينية في 1320 مشروعاً بمصرتحرص الصين على توجيه جزء من استثماراتها الخارجية إلى مصر، حيث بلغ إجمالى قيمة الاستثمارات الصينية في مصر خلال الفترة من 1970-2014 نحو 472 مليون دولار، فى 1191 مشروعاً مشتركاً يتركز معظمها في المشروعات الصناعية بنسبة 55%، تليها المشروعات الإنشائية بنسبة 20%، ثم الخدمية بنسبة 19%. وطبقاً لتصريح طارق قابيل وزير التجارة والصناعة في مايو 2017، تأتي الصين في المرتبة الـ 21 فى قائمة الدول الأجنبية المستثمرة في مصر بإجمالى استثمارات تبلغ نحو 600 مليون دولار فى نحو 1320 مشروعاً، وتتركز الاستثمارات الصينية في مصر في القطاع الصناعى وتكنولوجيا المعلومات وإقامة المناطق الاقتصادية.
ويعمل الجانبان على تشجيع وزيادة الاستثمارات الصينية فى مصر وخاصة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بشمال غرب السويس وتطوير جنوب مصر ومنطقة البحر الأحمر، وكذلك توسيع انشطة الشركات الصينية العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاستعانة بالخبرة الصينية لإنشاء قرية تكنولوجية على غرار المنطقة التكنولوجية فى بكين.
ولإعطاء العلاقات الاقتصادية بين البلدين مزيداً من الزخم، تم في ديسمبر عام 2013 الاعلان عن تأسيس غرفة التجارة المصرية – الصينية بهدف زيادة حجم التبادل التجارى والتعاون الاستثمارى بين البلدين وتذليل العقبات وتقديم التسهيلات والترويج للفرص التجارية والاستثمارية بين الجانبين.
وفى 22 فبراير عام 2014 قام وفد من رجال الأعمال الصينيين بزيارة لمصر وهى أول زيارة رسمية لوفد من المستثمرين الصينيين عقب ثورة 30 يونيو، حيث أبدى المستثمرون رغبتهم فى ضخ استثمارات جديدة فى مصر فى قطاعات المقاولات والبنية التحتية والديكور والاتصالات، واصفين السوق المصرى بأنه أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط.
وشاركت الصين في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري الذى عقد فى شرم الشيخ في مارس 2015، وقامت الشركات الصينية المشاركة في المؤتمر بتوقيع عدة عقود في مجال الكهرباء باستثمارات إجمالية 1.8 مليار دولار لتطوير الشبكة القومية للكهرباء وإنشاء محطات محولات، فيما وقعت وزارة النقل المصرية اتفاقيتين مع شركتين صينيتين لتصنيع القطارات بقيمة 500 مليون دولار وتشغيل وإدارة القطار المكهرب (الإسكندرية – أبوقير) بتكلفة 500 مليون دولار. وفى أبريل عام 2015 قام البلدان بتوقيع اتفاق لإنشاء فرع لمعهد بكين لتكنولوجيا المعلومات بمصر لتوفير العمالة الفنية المدربة لسوق العمل المصرى.
منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولى
شاركت مصر فى منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عقد فى بكين يومى 14 و15 مايو 2017، وأكدت فى كلمتها أمام المنتدى أن مبادرة الحزام والطريق – التى طرحتها القيادة الصينية - تمثل آلية مهمة من آليات تحفيز الاقتصاد العالمي، وتعزيز منظومة التعاون التجاري العالمى خلال المرحلة الحالية، حيث تعد مصر من أوائل الدول التي دعمت المبادرة بالتعاون مع الحكومة الصينية، لاسيما وأنها تتماشى مع استراتيجية الحكومة المصرية الرامية لتنمية محور قناة السويس، باعتباره أحد أهم المحاور اللوجستية ، ليس على المستوى الإقليمى فقط، ولكن على المستوى الدولى أيضاً.
كما تتعاون مصر مع الصين في العديد من المجالات الأخرى، لاسيما البترول والطاقة وحماية البيئة والنقل والموارد المائية. ففي مجال البترول والطاقة قطع التعاون بين البلدين شوطاً كبيراً شمل التصنيع المشترك للحفارات والتنقيب والتصنيع المشترك للمواسير بالإضافة إلى مجالات تصنيع الوقود الحيوي وبدائل الغاز الطبيعي، إلى جانب نقل التكنولوجيا وتدريب العمالة، كما تدخل الشركات الصينية في المناقصات الخاصة بمشروعات الطاقة التقليدية اعتماداً على خبرة الشركات الصينية في هذا المجال.
كما تتعاون مصر مع الصين فى مجال البيئة وتغير المناخ والتخلص من النفايات الصلبة والخطرة، إلى جانب الاستثمار الصناعى فى تدوير قش الأرز والمخلفات الزراعية والحد من التلوث الناتج عن مصانع الاسمنت واستخراج الطاقة من النفايات وتدويرها.
وفى مجال النقل والطرق والنقل البحري تستعين مص بالخبرة الصينية في مجالات القطارات فائقة السرعة. وفى مجال الموارد المائية والري، يتعاون البلدان فى مجالات الرى ومشروعات توليد الكهرباء وخاصة من السدود المائية.
تعاون ثقافى قديم ومتواصل
التعاون فى المجال الثقافى – طبقا لتقرير هيئة الاستعلامات - بين مصر والصين سابق على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل رسمي، إذ ترجع بداياته الأولى إلى عام 1931، وهو تاريخ توجه أول بعثة تعليمية صينية إلى مصر للدراسة بالأزهر الشريف. ووقع البلدان اتفاق التعاون الثقافى رسمياً فى عام 1956، مر بعدها التعاون الثقافي بينهما بالعديد من التطورات تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات التي تعمل على تأطيره بين البلدين. كما شهدت زيارة الرئيس الصينى للقاهرة فى يناير 2016، الإعلان عن تدشين "عام الثقافة الصينية" فى مصر، و"عام الثقافة المصرية" فى الصين.
العلاقات بين مصر والصين ليست فقط نموذجاً لعلاقات متجذرة فى أعماق التاريخ بين حضارتين عريقتين فحسب، وإنما أيضاً نموذجاً لعلاقات تمضى بخطى واثقة نحو مستقبل مزدهر لشعبى البلدين فى كافة المجالات. وهناك تناغم كبير فى رؤى قيادتى الدولتين بأهمية تنمية وتطوير علاقاتهما، فالرئيس عبدالفتاح السيسى دائماً ما يؤكد أن العلاقات المصرية – الصينية تتنامى وتتطور إلى أن أضحت نموذجاً متميزاً للتعاون بين الدول المحبة للسلام والراغبة في التقدم والتنمية، فيما يؤكد نظيره الصينى شى جين بينج أن الصين ومصر دولتان لكل منهما حضارة عريقة، ومنذ قديم الزمان نشأت بين الشعبين علاقات التفاهم والتبادلات الودية عبر طريقى الحرير البرى والبحرى. ومن شأن مشاركة مصر فى القمة القادمة لمجموعة البريكس أن تضيف بعداً جديداً يجعل علاقاتها بالصين تمضى بخطى واثقة نحو مستقبل لمصلحة شعبى البلدين.
العلاقات المصرية - الصينية فى أرقام
11 مليار دولار، حجم التبادل التجارى بين البلدين عام 2016
600 مليون دولار، إجمالى الاستثمارات الصينية فى مصر عام 2017
المركز 21، ترتيب الصين فى قائمة الدول الأجنبية المستثمرة فى مصر عام 2017
1320 مشروعاً، عدد المشروعات المشتركة بين مصر والصين عام 2017.
1191 مشروعاً، عدد المشروعات المشتركة بين مصر والصين خلال الفترة من 1970-2014
488 مليون دولار، قيمة صادرات مصر للصين عام 2013-2014
4986 مليون دولار، قيمة واردات مصر من الصين عام 2013-201
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة