تنطلق غداً بمدينة «شيامن» الساحلية فى الصين، وعلى مدار يومين، القمة التاسعة لتجمع «بريكس» تحت عنوان «البريكس شراكة قوية من أجل مستقبل أكثر إشراقا»، وهذا التجمع يمثل اختصارا للحروف الأولى باللغة اللاتتينية BRICS المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادى بالعالم، وتشمل إلى جانب الصين كلا من: روسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا.
BRICS هو تجمع دولى مستقل، يعمل على تشجيع التعاون التجارى والسياسى والثقافى بين الدول الخمس الأعضاء، التى تمثل ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمى، كما ساهمت بأكثر من نصف النمو العالمى فى عام 2016، وتنتج تلك الدول 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات، فيما يمثل تعداد مواطنيها 40% من تعداد العالم، واستطاعت دول التجمع أن تضاعف اقتصادها فى عشر سنوات، وتسهم بنسبة 50% فى النمو العالمى، ويبلغ ناتجها الإجمالى نحو 17 تريليون دولار.
ويقع مقر سكرتارية بريكس فى مدينة شنجهاى الصينية، حيث يتناوب أعضاء المجموعة الخمسة رئاستها سنويًا بشكل دورى فيما بينهم، وتهدف دول التجمع إلى تحقيق تكامل اقتصادى وسياسى وجيوسياسى بينها، وتنمية البنى التحتية وتحقيق آليات فعالة للتعاون بينها خلال الأزمات الاقتصادية، وإيجاد طريقة لمنح وتبادل القروض بين دول المجموعة بشكل لا يؤثر ولا يحدث أى خلل اقتصادى لأى من دول التجمع، بالإضافة إلى السعى لوضع شروط ائتمانية أكثر تيسيرًا على بلدان العالم الثالث، والدول النامية، وتدويل العملات المحلية، وإجراء تجارة بينية بالعملات المحلية فيما بينها، كما تهدف توفير قروض آجلة وميسرة لبلدان العالم الثالث والدول النامية، وتقديم تسهيلات ائتمانية أفضل من تلك المفروضة من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين.
وتم تدشين بنك التنمية لمجموعة البريكس فى 2015 برأسمال قدره 100 مليار دولار أمريكى فى مدينة شنجهاى، ويهدف إلى توظيف الأموال فى مشروعات البنى التحتية، وإنشاء احتياطات مشتركة من العملات الصعبة أو عملات الملاذ الآمن لمواجهة التقلبات فى السوق المالية العالمية، كما يهدف البنك إلى وضع استراتيجية استثمارية، تمكنه من شراء حصص فى كبريات الشركات العالمية، وكذلك تمويل المشروعات التكنولوجية المربحة، خاصة فى دول الجنوب، ويعتزم تنفيذ 23 مشروعا خلال عامى 2017-2018، ووفقا لاستراتيجية البريكس العامة للفترة 2017-2021 سيقوم البنك بتوجيه نحو ثلثى قروضه لتنمية البنية التحتية المستدامة، ونجحت المجموعة فى زيادة التبادل التجارى بين أعضائها ليصل فى عام 2016 إلى 16.6 تريليون دولار.
هذا فيما يتعلق بالتجمع، أما القمة التى ستعقد فى الصين، فجدول أعمالها يتضمن تعميق التعاون بين دول البريكس من أجل التنمية المشتركة، وتعزيز التعاون الدولى فى مجال التنمية، وتعزيز الحوكمة العالمية من أجل مواجهة التحديات بشكل مشترك، والحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين، بالإضافة إلى تعزيز الانفتاح فى الاقتصاد العالمى والتمسك بقوة بدور النظام التجارى متعدد الأطراف بوصفه القناة الرئيسية ومعارضة جميع أشكال الحمائية والانغلاق وضمان تمتع جميع الدول بحقوق وفرص متساوية، وأن يكون لها الحق فى اتباع نفس القواعد فى التنمية، فضلاً عن سعى القمة إلى تحسين النظم المالية والنقدية الدولية ودعم التعاون دول العالم فى مجالات الثقافة والتعليم، ورعاية المبتكرين وإقامة شراكة أوسع نطاقاً، وتعزيز التعاون بين الأسواق الصاعدة والدول النامية فى إطار مبادئ الانفتاح والشمولية والتعاون المربح لجميع الأطراف بهدف إعطاء زخم إيجابى للنمو الاقتصادى العالمى والتنمية المشتركة لكل الدول، كما تدرس موضوع انضمام أعضاء جدد للمجموعة من مختلف قارات العالم ومعايير العضوية.
هذه المقدمة الطويلة عن البريكس وقمة الصين التى ستنطلق غداً، كانت مهمة ليتعرف القارئ المصرى على الفاعلية التى سيشارك بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعدما حرصت الصين على توجيه الدعوة لمصر للمشاركة فى اجتماعات «بريكس»، نظراً لكون مصر ضمن الدول ذات الاقتصاديات الواعدة، ومن المهم أن نعرف أيضاً أن مشاركة الرئيس السيسى ستسمح بمشاركة مصر فى الحوار العالمى، وستكون فرصة لتعريف المجتمع الدولى بمكانتها، مما يشجعها على جذب الاستثمار الأجنبى، حيث سيلقى الرئيس كلمة فى ملتقى التجارة والصناعة لدول البريكس، أمام الكثير من رجال الأعمال الصينيين، وهو ما يعد فرصة مهمة لتعريف المشاركين بفرص الاستثمار المتاحة فى مصر، أخذاً فى الاعتبار أن القيادة المصرية فتحت منذ فترة حوارات متتالية مع قادة البريكس، حول مسألة إدخال مصر ضمن دول التجمع، وهو الأمر الذى يخضع حالياً لمناقشات بين دول التجمع، وستكون مشاركة الرئيس السيسى فى اجتماعات الغد فرصة لمعاودة الحديث مرة أخرى حول هذا الأمر، لما يمثله وجود مصر ضمن دول التجمع من فرصة مهمة للاقتصاد المصرى، كما أن موقع مصر الجغرافى يمثل ميزة نسبية للتجمع، خاصة فى ظل المشروعات العملاقة التى يجرى تنفيذها حالياً، وعلى رأسها محور تنمية قناة السويس، وما يمثله هذا المشروع تحديداً من أهمية ليس فقط للاقتصاد المصرى، وإنما لخريطة الاقتصاد العالمى.
وبخلاف مشاركة الرئيس فى قمة البريكس، فإنها فرصة لعقد اجتماعات ثنائية مع قادة الدول الخمس، خاصة الصين، المرتبطة مع مصر باتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» الموقعة فى ديسمبر 2014، والبرنامج التنفيذى لتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال الفترة من 2016 إلى 2021، أخذاً فى الاعتبار أيضاً أن العلاقات بين مصر والصين شهدت تطورا فى عهد الرئيسين السيسى وتشى جين بينج، فقد سبق أن وجهت بكين الدعوة للرئيس السيسى للمشاركة فى قمة العشرين، كما شهدنا خلال الفترة الماضية تبادل الزيارات بين الرئيسين من وإلى القاهرة وبكين، مما يعكس مدى اهتمام الجانبين بتطوير العلاقات بينهما ومدى تماسكها، كما أن التعاون فى كل المجالات شهد تطورا، فقبل أيام تم الانتهاء من إعداد المسار النهائى للقطار المكهرب الممتد من مدينة السلام إلى العاشر من رمضان رابطا العاصمة الإدارية الجديدة على طريق السويس/ القاهرة الصحراوى، الذى يمتد طوله 170 كم، ويشمل 14 محطة، وستنفذه شركة صينية، كما أن التعاون المالى شهد كذلك تطورا من خلال اتفاق تبادل العملات، وإجراء مناقشات حول المشاريع فى العاصمة الإدارية والعين السخنة، ووفقاً للأرقام فقد شهد مجال الاستثمار على سبيل المثال زيادة للاستثمارات الصينية بنسبة 420 مليون دولار أمريكى فى 2016، ليصل حجم الاستثمارات الصينية فى مصر إلى 6.8 مليار دولار أمريكى.