باسم فؤاد

استراتيجيات التعليم فى مصر "حبر على ورق"

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة طوارئ تعيشها الأسر المصرية مع قرب العام الدراسى الجديد ، آمال وطموحات يلقيها الآباء على عاتق أبنائهم ، بالترغيب تارة والترهيب إن لزم الأمر ، لتحقيق الصورة المثلى التى يرسمها كل منهم لفلذات أكبادهم،  يصاحب كل هذا ومع كل عام قرارات وخطط مستحدثة من وزارة التربية والتعليم بدعوى إصلاح المنظومة، آخرها قرارات الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم الحالى ، أيدها البعض ووصفها بأنها أول درجة من سلم علاج الأزمة ، وعارضها آخرون واعتبروها استكمالا لسلسلة من فلسفات تتغير مع تغير صاحب الوزارة دون تحقيق نتائج إيجابية على المخرج التعليمى ، وسؤالى هنا، هل نحن بحاجة إلى قرارات واستراتيجيات جديدة لإصلاح التعليم ؟ هل انتهينا - مثلا - من تحقيق ما اعتمدته الدولة من خطط عبر عهود مضت ؟ ونحن الآن فى مرحلة التجويد والإضافة ؟ وكيف لنا لا نلمس النتائج فيمن تفرزه المدارس والجامعات من خريجين ؟ أم أن الإصلاح يقتضى هدم البيت وبنائه من جديد ؟ 
 
بالاطلاع على الوثيقة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم عام 2001 ، فى عهد حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق،  حول الرؤية المستقبلية للوزارة، قد تخونك الكلمات والعبارات لتشعر أنك أمام طبيب فطن إلى مكان الورم لكن دون استئصاله، ومازال المريض –  الطالب - راقدًا فى غرفة العناية المركزة بين الحياة والموت، إن لم يكن فى ذمة الله. 
جاء فى الوثيقة، "إن تكريس مجتمع التعلم ينهض على فكرة تخطى عمليات التعليم أسوار المدرسة بدلا من أن تظل قاصرة على ما يدور داخلها فقط، وبحيث يصبح المجتمع بجميع هيئاته ومؤسساته بيئات للتعلم، والوزارة قد بدأت فى إرساء جملة من التحولات التعليمية لتحقيق هذا الهدف، ومنها:
 
1- التحول من ثقافة الحد الأدنى إلى ثقافة الإتقان والجودة.
2- التحول من ثقافة التكرار إلى ثقافة الإبداع والابتكار.
3- التحول من ثقافة القهر إلى ثقافة المشاركة.
4- التحول من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج.
5- التحول من الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات.
6- التحول من التعليم محدود الأمد إلى التعلم مدى الحياة".
7- الاستفادة من معطيات تكنولوجيا المعلومات والتقنيات التعليمية الحديثة لإحداث تغييرات جذرية على مجمل بيئة التعلم وزيادة قابلية أفراده ودافعيتهم للتحصيل".
 
اللافت فيما جاء بالوثيقة، عبارة "الوزارة قد بدأت فى إرساء جملة من التحولات".. مجموعة من الأسئلة تبادر إلى ذهنك بعد قراءة تلك السطور، أين تلك التحولات، متى طبقت؟ عن أى إبداع وإنتاج تتحدثون؟ الهدف هو  بناء مجتمع تعليمى لا يعتمد فقط على المدرسة، والآن وبعد مرور كل هذه السنوات على إصدار هذه الاستراتيجية ،عجزنا أن نجعل المدرسة - وليس المجتمع بجميع مؤسساته كما تدعى الوثيقة - بيئة صالحة للتعلم، ومازالت الوسائل التكنولوجية لا تعرف لمدارسنا طريقًا، رغم أن فلك العالم الحديث يدور حول مدارها، ويعانى الطالب مع كتاب مدرسى مترهل عقيم، يكلف الدولة 2 مليار جنيه سنويُا دون جدوى، سوى أنه وعاء لأقراص الفلافل ولفات البطاطا.  
 
سيطر على العالم قبل الثورات العلمية والتكنولوجية "المنهج الاختزالى للمعرفة"، وقسم المعرفة لأقسام مصطنعة، وفصلت الأجزاء بحواجز  تفصل بين التعلم والمتعلمين وبين المدرسة والمجتمع، وقسم المعرفة إلى علوم والعلوم إلى فروع،  ومنظومة التعليم إلى مراحل، والمراحل إلى سنوات.. إلخ، وكان هذا النظام صالحا أيام الثورة الصناعية حين كان الإنتاج مرتبطا بالمصانع، والمصانع بخطوط إنتاج ثابتة، فكان النظام التعليمى مسئولا عن تخريج عمال وموظفين يعملون بنظم ثابتة لا حاجة فيها للابتكار، أما الآن فقد تغير العالم وأصبح هذا النمط من التعليم عاجزا عن مواجهة تحديات المستقبل، وأصبح التكامل المعرفى بين حقول المعرفة المختلفة ضرورة، لذلك هدفت وثيقة الوزارة – موضوع حديثنا - فى ذلك الوقت إلى تجاوز نمط التعليم القائم على التجزئة والاتجاه إلى المناهج المتكاملة، ودعت من خلال خطتها لتحقيق تلك الأهداف إلى مراجعة المناهج الدراسية واتباع استراتيجيات جديدة فى بناء مناهجنا، تمكننا من التوزيع العادل للمعرفة على كل أبناء الأمة من جميع الفئات الاجتماعية.
 
والنتيجة، عمليات ترقيع مستمرة للمناهج – كل حسب تصوره – وشتان بين ما يدرسه الطالب والواقع ومتطلبات العصر، مجرد سباق يحسمه مكتب التسيق فى النهاية، وفوضى تعليمية وسط طوفان الأنظمة التعليمية الأجنبية، دون اتخاذ أى خطوات جادة لتنفيذ ما وعدت به الوزارة على أرض الواقع. 
 
كان مشروع "المدرسة المنتجة" هدفا لوزارة التعليم فى مصر، لتمكين المتعلم من التعامل مع سوق العمل، ومن هنا سعت الوزارة لتحويل المدراس إلى وحدات إنتاجية مدرة للدخل، فالمدرسة تضم مجموعة من البشر طلابا ومعلمين وإداريين وعاملين – قوة عمل – كما أن بها – بحسب الوثيقة - من الإمكانيات المادية والتجهيزات العلمية والمعملية والتكنولوجية التى إذا ما أحسن التخطيط لاستثمارها أن تصبح المدرسة وحدة إنتاجية قادرة على تقديم خدمات مختلفة للبيئة المحلية، فمن الممكن أن يكون بها متجر صغير ، مركز للتدريب على الكمبيوتر واللغات، وذلك بتكليف مجموعة من الخبراء لاقتراح أكثر من مشروع نموذجى يطرح على المداس لاختيار  الأنسب.
 
لكن الواقع يقول إن المدارس أصبحت سوقًا للمعلمين ، كل يروج لنفسه من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من الطلاب  لملء مقاعد مراكز الدروس الخصوصية ، وخصوصا موسم الامتحانات الموسم الأوفر تجارة، إذ بلغت حصيلته السنوية لما يقرب من 20 مليار جنيه ويزيد ، وبحسب آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم عام 2016 ، بلغ إجمالى التسرب من التعليم فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية 204 آلاف و754 طالبا بواقع 45 ألفا و214 للمرحلة الابتدائية ، و 159ألفا و540 طالبًا للمرحلة الإعدادية، ناهيك عن نسب الأمية فى مصر والتى تدق ناقوس الخطر إذ بلغت حوالى 30 % من إجمالى عدد السكان. 
 
خطة الوزارة فى هذا الصدد – وقت صدور الوثيقة – تتمثل فى تعدد مصادر المعرفة من خلال، تزويد المدارس بالأدوات التعليمية والتكنولوجية، بحيث يصبح الحاسوب جزءا لا يتجزأ من عمليات التعليم والتعلم، وعقد اتفاق مع وزارة الاتصالات تزود بموجبه المدارس ومنازل الطلاب بخدمة الإنترنت نظير مقابل مادى بسيط، وتوفير أدوات تعليمية إليكترونية رخيصة الكلفة يستفيد منها محدودو الدخل وغير القادرين أسوة بالقادرين ، بالإضافة إلى الاستثمار الأمثل للسنوات الذهبية للطفولة المبكرة "السنوات الستة الأولى" وهى نقطة الانطلاق بحيث يبدأ تعليم الطفل قبل السنة السادسة ، وإضافة هذه المرحلة إلى مرحلة التعليم الإلزامى، وتهيئة الفرصة أمام التلاميذ الموهوبين لتنمية وصقل مواهبهم وقدراتهم العلمية والأدبية والثقافية والفنية، فالبحوث العلمية أظهرت أن الأطفال قابلون للتعلم وأن 90 % منهم بإمكانهم الوصول لمرحلة الامتياز إذا ما أتيح لهم البرامج وفرص التعليم الملائمة.
 
كلام لو طبق لأصبحنا دولة رائدة فى التعليم عالميًا، وتباهينا بطلابنا وخريجينا، لكن نأسف أن الطالب لا يعى ماذا يدرس، ولأى هدف، انعدمت الرؤية، فغاب الحافز ، وأصبح التعليم عملية شاقة غير مرغوب فيها. 
 
وباستقراء تجربة البلدان الرائدة فى التعليم، فقد أنشأوا صيغة جديدة للمدرسة تنهض على استشراف المستقبل فى المجالات المختلفة، وإعداد مناهج مناسبة لهذا الهدف، فأصبحوا دول منتجة وسباقة، فالتقادم المعرفى سمة أساسية من سمات المستقبل تسقط بموجبه أعمال وتخصصات وتبرز أخرى غيرها ومن ثم لم يعد مقبولا الاكتفاء بتزويد المتعلم بقدر معين من المعرفة والمعلومات وننتظر أن تظل صالحة لديه مدى الحياة .
 
16 عامًا مرت على تلك الوثيقة الصادرة مع إيقاف التنفيذ، والنتيجة أننا نتذيل بلدان العالم، إذن الخطط والاستراتيجيات للنهوض بالتعليم فى مصر موجودة، ينقصها التخلى عن التخبط والعشوائية فى القرارات، فوزير يلغى السنة السادسة من المرحلة الابتدائية، ويأتى من بعده ليعيدها مرة ثانية، وآخر يقرر إجراء امتحانات الثانوية العامة فى سنة واحدة ،  ليخلفه غيره ويقرر إجراؤها فى سنتين أو ثلاثة.    
 
لا نقلل من جهود وقرارات الدكتور طارق شوقى وزير التعليم الحالى للنهوض بالتعليم، نثمنها ونؤيدها، الكل متفائل به وأنا منهم، بعد القرارات الأخيرة التى تضمنت تحقيق رؤية مصر 2020 – 2030 بتأسيس مجتمع يفكر ويبدع، وتخفيف المناهج الدراسية بنسبة 40% وإزالة ما يعتريها من حشو ،واعتبار مادتى الكمبيوتر والتربية الفنية مواد دراسية نجاح ورسوب، وإعداد برنامج متخصص لتدريب المعلمين، لكن نتمنى أن نلمس نتائح جدية على أرض الواقع، حتى لا تكون مثل سابقيها "حبر على ورق" . 
 









مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

حبر وورق

احنا بتوع الورق...عشان نستعمله في التواليت ونوفر بامبرز .....

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة