"حدثت داخل المجتمع المصرى تحولات سريعة بالغة الأهمية خاصة فى السنوات الثلاث التى أعقبت ثورة 25 يناير، والتى جسد فيها مشهد انتشار الباعة الجائلين فى كل شوارع وميادين القاهرة ما حدث فى مصر فى هذا الإطار".. ذلك ما ينطلق منه كتاب "خطاب الشارع تحولات الحياة والموت" للدكتور محمد شومان، والذى يرصد قراءة شاملة لخطاب الشارع والناس، الحياة والموت، وأشكال ممارسة السلطة بين الدولة والمجتمع وفئات وشرائح كثيرة تعيش معًا فى القاهرة، ويؤكد المؤلف أنه اعتمد على مناهج تحليل الخطاب النقدى وتحليل المحادثة داخل المجتمع المصرى الذى أصابه التغيير.
ويشير شومان فى الكتاب الصادر عن سلسلة "كتاب اليوم" الثقافية إلى أن الجماعات المهمشة سياسيًا وفنيًا فرضت وجودها وأصبحت أكثر جرأة وقدرة على التعبير عن نفسها ورفع مطالبها، إضافة إلى الجماعات "الإسلاموية" المتشددة والجماعات اليسارية المتطرفة والفوضوية كل هذه الجماعات عملت فى العلن وبجرأة، ولم يعد من الممكن تجاهل كل هؤلاء، ومن ثم الاعتراف بوجودهم داخل المجتمع وتأثيرهم فيه، كما يرصد المؤلف حالة الفوضى التى انتشرت فى الشارع المصرى مثل الإضرابات والإعتصامات التى انتشرت فى كل المحافظات، وأصبح قطع الطرق من الوسائل المتعارف عليها للضغط على الحكومة والمواطنين معاً لتنفيذ مطالب معينة.
ويضم الكتاب ستة فصول، الفصل الأول بعنوان "صراع السلطة وتناقضات الشارع المرورى فى المحروسة"، يرصد فيه المؤلف فوضى الشارع وغياب سلطة الدولة وأنظمة المرور والتحايل على القانون وممارسة للسلطة كلٌ فى نطاق المساحة التى يتحرك فيها أو الاستيلاء عليها من فضاء الشارع.
أما فى الفصل الثانى "خطاب الهامش.. الرصيف المصرى " يتحدث شومان عن الرصيف فى الشارع المصرى وفى معظم أحياء وشوارع وأزقة المحروسة، حيث احتلها وبشكل استيطانى أصحاب المحلات والمقاهى والورش والرصيف القاهرى فى ذاكرة كبار السن رصيف بالمعنى المعروف فى كل مدن العالم فضاء عام له وظائف محددة ومنفعة عامة متاحة لجميع المواطنين على قدم المساواة أما أرصفة المحروسة فى مطلع القرن الــ21 مهمشه ومجال خصب للحفر وأكوام الزبالة والإعلانات التجارية والأكشاك التى يقيمها بعض أجهزة الدولة لتحصيل الأموال أو تقديم خدمات أو لتشجيع بعض الفقراء على ممارسة عمل شريف .
ويشير المؤلف إلى أن مصادر الخطر كامنة وظاهرة أثناء السير على الرصيف، حيث يتطلب ذلك حرصاً وتدقيقاً لموضع قدميك وأن تسير كبهلوان حتى لا تقع فى حفرة أو تصطدم بشجرة أو عمود إنارة .
وفى الفصل الثالث "الفوضى المعمارية" يوضح المؤلف ما وصلت إليه أحياء الفقراء والوافدين إلى القاهرة من عشوائية فقد بنيت هذه الأحياء حول العاصمة بدون تخطيط معمارى للشوارع والبيوت والعمارات وانما انشئت أعتماداً على اجتهادات بين واضعى اليد وتجار الأراضى ولذلك فالعشوائية المعمارية منتشرة وضاربة بجزورها فى كل أحياء القاهرة بل صارت جزءاً من ثقافة وخطاب الناس فى المحروسة.
وفى الفصل الرابع "أزياء بلا هوية" يتناول الكاتب أزياء الناس فى شوارع المحروسة ويؤكد على أنها خطاب مشبع بالدلالات والمعانى الطبقية والثقافية والنفسية لكن بعضها أصبح بلا معنى حقيقى فالحجاب مثلاً لم يعد كما ظهر لأول مرة تعبيراً عن موقف وهوية دينية كما أن الذَى الموحد لفئة أوهيئة ما خسر كثيراً من معانيه .
ويوضح شومان أنه من الطبيعى أن تختلف الأزياء بحسب العمر والجنس والأنتماء والطبقة والمهنة لكن الأزياء فى المحروسة تتحايل على هذه القاعدة لتعكس انتماءات طبقية وثقافية وأيديولوجية وهويات متصارعة.
وفى الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن كلام الناس وأحاديثهم العادية ويوضح شومان أن أهم ما يميز كلام الناس فى المحروسة سبع سمات هى التدين المصطنع، الميل إلى المزاح والتنكيت، الاهتمام بالأحاديث الجنسية , تعظيم الذات أثناء الحديث ,رفع الصوت أثناء الحديث، تعدد لهجات الحديث بين أحياء القاهرة، شبابية وحيوية الكلام فى المحروسة.
وفى الفصل السادس "خطاب الموت" يوضح المؤلف كل ممارسات الحزن والدفن والعزاء ونعى المتوفى وأسرته ومعمار المدافن وزخرفتها والكتابة عليها والحياة فى المقابر وزيارة الموتى لتلاوة القرآن وتوزيع الصدقات ويشير المؤلف أن خطاب الموت والحياة فى ثقافة المصريين ليس فيها أختلافات كثيرة فأحاديث المصريين لا تخلو من ارجاء كل شىء إلى مشيئة الله ولا يدور حديث بين شخصية أو أكثر بالترحم على عزيز مات حتى ولو قيلت من باب التندر أو الشماتة.