لعبة المقارنات أسهل طريق لرسم الصورة الكاملة، من قلب المقارنة يمكنك أن تكتشف هل حدث تطور ما؟ هل تغيرت الرؤية؟ هل أحرزت تقدما أم تأخرت أم تقف محلك سر؟ وفى نفس الوقت هى فرصة لاكتشاف الأسباب وتحليلها أسباب الفشل والنجاح على قدم المساواة.
من تلك النقطة يمكنك أن تنطلق مقارنا بين الظهورات الأربعة للرئيس عبد الفتاح السيسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكتشف ما الذى تغير؟ وتجيب عن السؤال الأهم فى مسيرة الدول بعد فترات الارتباك أو المراحل الانتقالية، هل تقف هذه الدولة فى المربع صفر، حيث كانت منذ سنوات أم أصابها تقدم وتغير رقم مربعها من صفر إلى 7 أو 8؟!
الرئيس السيسى فى خطابه الأخير داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة كان مختلفا عما سبق، كان أكثر ثقة، أكثر تركيزا على اختيار الملفات التى يريد أن يشتبك بها، كان حاسما، وكانت رسائله واضحة، والأداء القوى لأى رئيس فى محفل دولى، والخطاب الحاسم ذو الرسائل الواضحة له مدلول واحد فقط، أن صاحب الخطاب ودولته أصبحا أكثرة قوة من ذى قبل، وأكثر ثقة فى استراتيجية التحرك الدولية، وأصبحت أرضهم أكثر صلابة، لأن قوة الشخص يستمدها من قوة الأرض التى يقف عليها، وقوة الأرض التى نقف عليها لا يصنعها سوى نجاح التحرك فوقها فى ملفات مختلفة، وهذا ما لا يمكن إنكاره بأى شكل من أشكال، نجاح مؤسسة الرئاسة فى تحركات الملف الدولى واستعادة صورة مصر المفقودة فى المجتمع الدولى، الصورة التى كانت مرتبكة فى أول مشاركة بالجمعية العامة للأمم المتحدة التى رسمها الإخوان وبعض وسائل الإعلام الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية لوطن مشكوك فى شرعية ثورته، وغير قادر على استعادة استقراره فى مواجهة الإرهاب، تحولت إلى صورة وطن لا يعترف فقط العالم بثورته التى أزاحت الإخوان، بل يعترف بأن هذا الوطن استرد موقعه الريادى، ولم يعد هناك فرصة لحل أزمات وقضايا منطقة الشرق الأوسط إلا بمشاركته بعد أن صمد تجاه حروب استبعاده أو استبداله بالمؤامرات القطرية والتركية.
حتى الأحداث الهامشية فى نيويورك يمكنها أن تثبت لك نجاح مؤسسات الدولة المصرية فى ترميم صورتها، وخلق صورة لوطن أقوى وأكثر استقرارا فى وسط منطقة تعانى من الانهيار، عد بذاكرتك إلى زيارات الرئيس الأولى فى نيويورك وتأمل المشهد الإخوانى التعبوى لمناهضة زيارات الرئيس السيسى وتحركاته، وكيف اختفى الإخوان تماما من شوارع نيويورك فى الزيارة الأخيرة، قد يبدو الأمر لك بسيطا، ولكنه فى جوهره اعتراف بنجاح الدولة المصرية وانتصارها على الإخوان، ومن خلفهم من ممولين ومحرضين، أصابهم اليأس والعجز من أن يمسوا هذا الوطن بسوء وأصابهم التعب من كثرة الإنفاق على نشر الفوضى فى أرضه أو التشكيك فى قوته وقوة جيشه، فرفعوا راية الاستسلام بإعادة فئرانهم الإخوانية إلى الجحور، لتعلن هذه المشاركة الرئاسية فى فاعليات الجمعية العامة للأمم المتحدة نجاحا يحسب للرئيس ومن خلفه مؤسسات الدولة فى حرب طالت لسنوات ماضية كانت تهدف إلى وجود مصر على الهامش فى تلك المحافل الدولية، فإذا بمصر قوية وفاعلة وعائدة لممارسة دورها التاريخى فى المنطقة، وإذا برئيسها واثقا برسائل محددة وحاسمة هدفها الأول والرئيسى أمن مصر القومى ومستقبلها.