كشفت تصريحات الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، حول كوريا الشمالية عن ضعف فى المعلومات، كما أثارت تهديداته بتدميرها صدمة فى الأوساط السياسية، وبالرغم من شعور الصدمة من تصريحات تفتقد للدبلوماسية، فقد كانت تكرارًا لتهديدات بنفس المعنى من رؤساء سابقين.. فقط كان ترامب واضحًا.. فالتلويح بالقوة كان سياسة لرؤساء أمريكا، فقط الفرق فى الدرجة وطريقة الصياغة، فقد خاض الجمهورى جورج دبليو بوش حروب غزو وتدمير، كما قاد أوباما والديمقراطيون غزوات نشر الفوضى وإشعال الحروب الأهلية.
وظلت الازدواجية الأممية تجاه القضايا الدولية مستمرة، تهديد ترامب بإزالة كوريا الشمالية أثارت لغطا واسعا باعتبارها لايمكن أن تصدر من رئيس أكبر دولة فى العالم أمام منظمة الأمم المتحدة.. لكن الواقع أن رؤساء أمريكا خلال العقود الأخيرة جميعهم وظفوا الأمم المتحدة ومجلس الأمن لأغراض توسعية، بصرف النظر عن النتائج، فقد شن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش أكبر حروب على أفغانستان، وجند مجلس الأمن لغزو العراق بناء على معلومات مزورة حول أسلحة الدمار الشامل، واعترف كولن باول ووزير خارجية بوش فى مذكراته، أن الأدلة حول العراق كانت ملفقة.
ونفس الأمر مع الرئيس الديمقراطى، باراك أوباما، الذى جاء باعتباره رئيسا منقذا، غلف خطاباته بالكثير من المحسنات البديعية حول السلام ومواجهة مشكلات العالم، لكنه قاد سياسات تدميرية لم تختلف كثيرا عما فعله الجمهوريون.. دعم أوباما وحلف الناتو الصراعات المسلحة فى سوريا وساعدوا فى نمو تنظيم داعش وباقى تنظيمات الإرهاب.. وأيضًا نفذوا عملية تدمير ليبيا وتركوها حطاما ومجالا للتنظيمات الإرهابية، وتخلوا عن الشعب الليبى وتركوه نهبا لميليشيات مسلحة.
ولم تتوقف دول العالم عن الدعوة لإصلاح المنظمات الدولية، فالأمم المتحدة الحالية ومجلس الأمن باعتباره المنظمة الدولية التنفيذية، يمررون ما تنتهى إليه الدول الكبرى، وإذا كان الديمقراطيون هم الأكثر تعليقًا على تصريحات ترامب، التى يهدد فيها بإزالة كوريا الشمالية، فهى تصريحات تعبر عن مطالب أمريكا، التى كانت غالبا ما تحمل تهديدًا وتعاليًا.. بينما الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم ينجزوا أى خطوة تجاه الإرهاب واللاجئين، وهى نتاج سياسات أمريكا.. فقد نما داعش وتوسع وتوحش برعاية أوباما وحلف الناتو، حولوا مساعى الشعوب للتغيير إلى كوابيس.
جورج دبليو بوش والجمهوريون واليمين المتطرف أشعلوا حروبًا ودمروا العراق وفككوه ونهبوه، وجاء الديمقراطيون ليكملوا تسليمه للتنظيمات المسلحة الإرهابية بتمويل دول تحتمى بأمريكا.. ويخلو ميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أى آليات لمحاسبة الناتو على غزو العراق وإشعال حرب أهلية فى سوريا وتدمير ليبيا، بالرغم من شهادات واعترافات زعماء بريطانيا وفرنسا لأخطاء السياسات والتدخلات العسكرية.
فقد اعترف تونى بلير بخطأ غزو العراق، كما اعترف رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بأخطاء الناتو فى ليبيا وسوريا.. ولم يجرؤ مجلس الأمن على محاسبتهم.. وبالتالى فإن تصريحات ترامب وإن افتقدت للدبلوماسية، فهى تعبر عن سياسات أمريكية لا تعرف الاعتذار ولا الاعتراف بالمسؤولية الدولية، وتستمر ازدواجية منظمات دولية عاجزة.