الانبا ارميا

"ترك هديته"

الجمعة، 22 سبتمبر 2017 10:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرًا ما يعبر بعض البشر دُروب الحياة ونفوسهم تجتاحها مشاعر مؤلمة بسبب عدم فَهم الآخرين لحقيقة تصرفاتهم، أو لأن أولٰئك يتسرعون بالحكم على مواقفهم في حين أن الحقيقة هي على النقيض تمامًا؛ يقولون: "مأساة الإنسان الحقيقية هي أنه يرى الأشياء كما يريد أن يراها هو، وليس على حقيقتها.". تذكرت قصة عن تسرُّع شاب من أسرة ثرية كان يحلُم باقتناء سيارة باهظة الثمن مع اقتراب موعد تخرجه في الجامعة، وقد أبدى لوالده رغبته الشديدة هٰذه، إذ كان يعلم أن لديه من وفرة المال ما يحقق له حُلمه. وظل الشاب منتظرًا يوم تخرجه وتحقيق حُلمه. مرت الأيام بطيئة على الشاب، إلى أن لاحت شمس ذٰلك اليوم الموعود في الأُفْق، واستدعى الأب ابنه إلى مكتبه وهنأه بتفوقه، معلنًا سعادته الشديدة بما حققه من نجاح يفتخر به، ثم قدم له هدية غُلفت في شكل جميل. تحسس الشاب هديته فشعر أنها كتاب؛ فما كان إلا أن امتلأ غضبًا، وخرج مسرعًا، تاركًا هديته! بل لم يعُد إلى والديه مرة ثانية!! 
 
مرت أيام وشُهور وسنوات، والشاب ما يزال بعيدًا عن والديه رافضًا لقاءهم!!! وطالت سنوات البعد، وأخيرًا شعر الابن بالحنين إلى أبيه فقرر أن يتصل به لزيارته. إلا أن أخبار وفاة والده سبقت زيارته!!! وترك الأب جميع ما لديه من أموال وأملاك لابنه الذي أسرع إلى منزل والده وهو يشعر بحزن شديد على فقدانه. وفي مكتب والده وجد هدية تخرُّجه ما تزال كما تركها؛ فتحها والدموع تنهمر من عينيه ليجد بها كتابًا مقدَّسًا نُقشت عليه الأحرف الأولى من اسمه. وبينما الشاب يَُمسك بالكتاب، إذ يسقط من غلافه مِفتاح سُِّرعان ما أدرك أنه لسيارة!! إنها السيارة التي لطالما رغِب شراءها؛ وكان على ميدالية المِفتاح بطاقة كُتب عليها عُِنوان المعرِض، و تاريخ يوم تخرُّجه، و عبارة: "الثمن مدفوع كاملاً"!!! 
 
ويحضُرني أيضًا فَهم خاطئ آخَر نحو شاب مِصريّ كان يعيش في الغرب، إذ حكم عليه أصدقاؤه ومعارفه أنه انساق في الاقتداء بتقاليد شباب ذٰلك المجتمع لأنه لا يقص شعره إلا مرة واحدة في العام؛ ليكتشفوا بعد ذٰلك أنه كان يمنح شعره لعمل شعر مستعار لأجل مرضى السرطان الذين تتساقط شعورهم بسبب ما يتناولون من عقاقير طبية وكيميائية!! وكثير من المواقف والقصص تقدم للبشر رسالة:
عزيزي الإنسان:
 
لا تتسرع في إطلاق أحكامك على البشر، فأنت لا تُدرك جميع الأمور والظروف المحيطة بهم، ولا تعلم دوافع تصرفاتهم الحقيقية؛ فإن الله وحده يعلم قلوب البشر؛ لذٰلك: انتبه لكلماتك ومواقفك من الآخرين، ولا تطلق لخيالك العِنان، ثم يعود إليك حاملاً أحكامًا قاسية تُدمي بها قلوبًا لا تحمل لك إلا المحبة. تذكَّر أنك إنسان، وعِش كإنسان، لا كمن يجعل من نفسه إلٰهًا يدين. 
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة