أختتم قراءتى لكتاب «الموساد فى العراق ودول الجوار» للكاتب الصحفى الإسرائيلى «شلومو نكديمون»، ويتتبع فيه العلاقات السرية، التى قامت بين إسرائيل وأكراد العراق، مما يفسر لنا الكثير من أسباب تأييد الدولة العبرية وحدها دون باقى دول العالم للاستفتاء، الذى سيجرى غدا فى كردستان العراق للانفصال عن الدولة الأم.
يكشف الكتاب الحالة، التى كان عليها الأكراد المتمردون على الدولة العراقية فى محطات المواجهات العربية الإسرائيلية، خاصة فى حرب 5 يونيو 1967، فحين تلقى المستشارون الإسرائيليون، الذين يعملون سرا إلى جانب مصطفى البرزانى خبر احتلال القدس، احتفلوا فوق قمة أحد جبال كردستان، أما البرزانى فاحتفل به على طريقته الخاصة، وحسب المؤلف: «أحضر أحد خدم البرزانى كبشا ضخما علق فى رقبته شريطا أزرق وأبيض- دلالة العلم الإسرائيلى- وكتب عليه «هنئوا إسرائيل لاحتلالها جبل البيت–الليلة سنذبح خروفا قربنا لاحتلالكم بيت المقدس».
ينتقل المؤلف إلى زيارة «البرزانى» سرا إلى إسرائيل فى منتصف أبريل من عام 1968، ويقول: «اعتقدت الجهات الإسرائيلية أن هذا التاريخ مناسب لإحضار البرزانى إلى إسرائيل، وكان هذا الموعد يصادف عيد الفصح العبرى المسمى (بيسح)، وكانت الجهات الإسرائيلية فى الشمال، تسمى البرزانى (بيسح )، وقامت لجنة خاصة من ممثلى الموساد والجيش الإسرائيلى بالعكوف على إعداد تفاصيل الزيارة»، يضيف المؤلف، أنه حين هبطت الطائرة، التى أقلت البرزانى على مدرج جانبى فى مطار اللد، استقبله رئيس الموساد وعدد من معارف الإسرائيليين، وحملق البرزانى فى الموجودين، وتفحصهم واحدًا بعد الآخر، ثم قال: أين ديفيد، قولوا لى متى سأراه؟، وديفيد جباى هو صديقه اليهودى فى كردستان قبل أن يهاجر إلى إسرائيل، وجمعته بمصطفى البرزانى علاقة تعود إلى زمن الآباء، فحين أصدرت السلطات العثمانية حكما بإعدام والد مصطفى، توجه والد ديفيد إلى عاصمة الامبراطورية وهو يحمل قدرا كبيرا من الذهب، طالبا عفو السلطان عن صديقه، وفعل الذهب فعله، وأصدر السلطان عفوه، غير أن قضاء الله نفذ فى والد البرزانى إبان عودة والد ديفيد، وهو يحمل كتاب العفو.
اجتمع البرزانى مع رئيس إسرائيل ومع جميع الأشخاص الإسرائيليين الذين زاروا كردستان، ورافقه هؤلاء فى اللقاءات التى أجراها مع المسؤولين الإسرائيليين رفيعى المستوى ومن ضمنهم وزير الخارجية أبا ابيان، ورئيس الموساد مائير عاميت، ووزير الدفاع موشى ديان، ورئيس الحكومة ليفى أشكول الذى وعده بزيادة المساعدات، وفى نهاية المطاف أحضروا له «ديفيد جباى»، وعندما دخل إلى الغرفة التى يقيم فيها «البرزانى» حاول تقبيل حذاء الزعيم الكردى، غير أن البرزانى أنهضه وتعانقا وهما يجهشان بالبكاء وجلسا يتحدثان ساعات طويلة، ويذكر المؤلف، أنه كان من المفروض الحفاظ على زيارة البرزانى لإسرائيل سرا، لكن أشكول خشى من تسرب أمرها فقرر تنظيم مقابلة بينه وبين محررى الصحف الإسرائيلية.
أقام الموساد احتفالا كبيرا للبرزانى حضره كثير من الشخصيات الإسرائيلية، بما فيهم مناحم بيجين، كما دعا الموساد المغنية (شوشنة دمارى) لإحياء احتفال، وحسب المؤلف: «فى طريق العودة كادت عينا البرزانى أن تخرجا من محجريهما، وهو يرى الكم الهائل من السيارات العسكرية والدبابات المتراصة، التى غنمها الجيش الإسرائيلى فى أعقاب حرب 1967، وقال لرئيس الدولة: أنتم تقولون إنه لا نفع من هذا الكم الهائل من السيارات فى الوقت الذى لا نملك نحن شيئا».
يتبع المؤلف الموقف حتى وفاة مصطفى البرزانى فى الثالث من مارس عام 1979، ثم الثورة ضد شاه إيران، وقيادة أحمد حسن البكر للعراق ثم صدام حسين.