دعيت مثل العشرات من الساسة ورجال الدولة والمثقفين والإعلاميين من كل وسائل الإعلام وسيدات ورجال المجتمع من كل الطبقات والتوجهات السياسية، إلى حفل توقيع كتاب "كتابيه"، وكنت أعتقد أن بريق شخصية مثل السيد "عمرو موسى" قد خفت لأسباب كثيرة، أولها تصويت المصريين له فى انتخابات الرئاسة، الذى لم يكن هو نفسه يتوقعه، وعدم اكتراث الكثير له فى أى من تصريحاته أو حواراته أو أى شىء عنه فى الفترة الأخيرة، حتى عندما تناولت وسائل الإعلام عن اجتماعاته من أجل الاشتراك فى أحد الجبهات المعارضة، لم يكن ذلك من الأمور المهمة التى التف إليها البعض فى الأيام الماضية، التى سبقت إعلان توقيع كتابه الذى يحوى مذاكراته "كتابيه".
ولكن ما إن وصلت إلى مكان توقيع الكتاب الذى اكتظ عن آخره بالكثير والكثير، حتى وإن لم يكن متوقعا هذا العدد من الحضور، من قبل بعض الشخصيات العربية السياسية من لبنان والأردن وفلسطين وغيرهم، وإن لم يكن مستغربا لشخصية سياسية ومحورية ودبلوماسية كبيرة بقامة "عمرو موسى" الذى مارس العمل السياسى والدبلوماسى على مدار 50 عاما ونال محبة وشعبية جارفة بين المصريين وغير المصريين، واستطاع الرجل أن يعود إلى الأضواء مجددا، وأن يثير حالة من الجدل والنقاش، وحتى الغضب والإثارة بين الأصدقاء وفى المحيط الثقافى والفكرى والسياسى، وبصراحه أكثر فى المحيط المصرى بل والعربى أيضا.
اشتريت الكتاب لنهمى فى معرفة ماذا سيقول فى مذاكراته التى سوف تحتوى على الكثير والكثير من الأحداث والحكايات والغوص فى الشخصيات التى عاصرها عمرو موسى، والتى تشكل وتمثل الكثير من تاريخنا المصرى، وبالفعل كان كل ما توقعته وأكثر.
استطاع الكتاب خلق حاله من الانتعاش الفكرى والذهنى فى الحياة السياسية والثقافية فى مصر هذه الأيام، وتناسى الجميع كل شىء ما عدا الخوض فى كل ما ذكره عن الرؤساء "جمال عبد الناصر"، و"أنور السادات"، وحتى "مبارك" الذى ما زال حيا يرزق، وسوف يقرأ الكتاب ويعرف وجهة نظره فيه، وكيف كان يصفه وماذا كان يمثل بالنسبة له، كما استطاع عمرو موسى أن يعبر بكل جرأة وبدون دبلوماسية عن رأيه وانتقاده لعبد الناصر "الذى هو فى حقيقة الأمر جد لأحفاده أيضا ولديه صلة نسب به" وقد حضرت احتفالية التوقيع "ابنته" منى عبد الناصر، وأيضا زوج ابنته السابق ووالد أحفاده "أحمد أشرف مروان" ولم يمنعه ذلك بأن ينعته بالدكتاتور، كما أطلق على الرئيس السادات أيضا.
ولن أستطيع أن أقلل من شأن هذه المذكرات، كما يدعى البعض، أو التقليل منها، أو حتى نعتها بالأحداث الكاذبة أو المفبركة، أو حتى كتابتها وصياغتها الركيكية، ولكنى أعتقد أن أهميتها جاءت من كونها تخرج عن المألوف من هذا النوع من الكتابات التى غالبا ما تمدح وتمجد وتصنع الآلهة والفراعنة على الأرض بمناسبة وبدون مناسبة، وتراعى الأحياء والأموات منهم، وحتى وإن كان بالغ أو تمادى فى نقد أو مدح، فإن ما ذكره هو وجهه نظره وما تمليه عليه قناعاته فقط دون تدخل، وعلينا إما أن نتقبلها أو نرفضها، طبقا لمواقفنا منها.
وبصرف النظر عن غصب التيار الناصرى من عمرو موسى ومحبى السادات وحتى أنصار "مبارك" فسوف يحسب له أن عبر بصراحة عن آرائه فيهم، بغض النظر عن ردود أفعال هؤلاء ضده ولم يكترث لحاله الجدل التى سيسببها وهو "عميد مدرسه الدبلوماسية المصرية"، لذا أدعو الجميع أن يقرأ هذه المذكرات، وأن يستمتع بها، وإن كانت صياغتها ركيكة كما يطلق عليه المثقفون، لأنها وبالفعل جديرة بالقراءة.
وأود أن أشكر عمرو موسى وأوجه له التحية لذكائه المعهود فى إعاده بريقه وحضوره الطاغى مره أخرى، على الساحة السياسية الآن، والتى تعانى حالة من الملل والإحباط والركود، ونجاحه فى طرح رؤى وموضوعات للجميع، سياسيين ومثقفين، وغيرهم للنقاش والحوار، وإعادة قراءة الأحداث والأشخاص بطرق أخرى ومن وجهات نظر متباينة.
وعلى الجميع أن يعى أن الإنسان ليس معصوما من الأخطاء، فهو يخطئ ويصيب، يبنى ويهدم، لأنه ليس نبيا أو قديسا أو ملاكا أنزل من السماء، لمجرد كونه رئيسا أو زعيما أو حاكما استمر عشرات السنوات، والتاريخ لابد أن يكتب بشفافية وحيادية بقدر الإمكان حتى لا نغرق فى أخطائنا، فشكرا للسياسى والدبلوماسى الكبير "عمرو موسى".