لا أستطيع أن يمر هذا الأسبوع دون التوقف أمام الخطاب التاريخى والمصيرى، الذى ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى يعد وثيقة تاريخية تذكرنا بخطاب الرئيس السادات فى الكنيست 1977، والذى غير مجرى التاريخ والمنطقة والعالم.
لقد رأى السيسى «أن المخرج الوحيد الممكن من الأزمات، التى تعانى منها المنطقة العربية، هو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة، التى تقوم على مبادئ المواطنة، والمساواة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القَبَلية.. إنّ طريقَ الإصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية، ولا يمكن أن يتم على أنقاضها»، وعلى تلك الرؤية حدد الرئيس بأنه «فلا خلاص فى سوريا الشقيقة، إلا من خلال حل سياسى يتوافق عليه جميع السوريين، ويكون جوهره الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وصيانة مؤسساتها، وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسية لتشمل كل أطياف المجتمع السورى، ومواجهة الإرهاب بحسم حتى القضاء عليه.. وبالمثل، فلا حل فى ليبيا إلا بالتسوية السياسية، التى تواجه محاولات تفتيت الدولة وتحويلها مرتعًا للصراعات القَبَلية، ومسرح عمليات للتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والبشر.. وأؤكد هنا، بمنتهى الوضوح، أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية، وينطبق نفس المنطق على المقاربة المصرية للأزمات فى العراق واليمن.. فالدولة الوطنية الحديثة، الموحدة والقادرة والعادلة، هى الطريق لتجاوز الأزمات وتحقيق الطموحات المشروعة للشعوب العربية».
وتطرق الرئيس إلى القضية المركزية الفلسطينية وقال: إن الوقت قد حان لمعالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة فى منطقتنا العربية، وهى القضية الفلسطينية، التى باتت الشاهد الأكبر على قصور النظام العالمى عن تطبيق سلسلة طويلة من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. إن إغلاق هذا الملف، من خلال تسوية عادلة تقوم على الأسس والمرجعيات الدولية، وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو الشرط الضرورى للانتقال بالمنطقة كلها إلى مرحلة الاستقرار والتنمية، والمحك الأساسى لاستعادة مصداقية الأمم المتحدة والنظام العالمى.. ولا شك أن تحقيق السلام من شأنه أن ينزع عن الإرهاب إحدى الذرائع الرئيسية، التى طالما استغلها كى يبرر تفشيه فى المنطقة، وبما يضمن لكل شعوب المنطقة العيش فى أمان وسلام.. فقد آن الأوان لكسر ما تبقى من جدار الكراهية والحقد للأبد، ويهمنى أن أؤكد هنا أن يدَ العرب ما زالت ممدودة بالسلام، وأن تجربة مصر تثبت أن هذا السلام ممكن، وأنه يعد هدفًا واقعيًا يجب علينا جميعًا مواصلة السعى بجدية لتحقيقه..ووجه السيسى كلمة للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى بالقول:
«أتوجه بكلمة ونداء إلى من يهمهم هذا الأمر، وأوجه ندائى الأول إلى الشعب الفلسطينى، وأقول له من المهم للغاية الاتحاد وراء الهدف، وعدم الاختلاف، وعدم إضاعة الفرصة، والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر، مع الإسرائيليين فى أمان والسلام، وتحقيق الاستقرار والأمن للجميع.. وأوجه ندائى للشعب الإسرائيلى، وأقول لدينا فى مصر تجربة رائعة وعظيمة للسلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخرى.. أمن وسلامة المواطن الإسرائيلى جنبًا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الفلسطينى.
ندائى إليكم أن تقفوا خلف قيادتكم السياسية وتدعموها ولا تترددوا.. إننى أخاطب الرأى العام الإسرائيلى.. اطمئنوا نحن معكم جميعًا من أجل إنجاح هذه الخطوة، وهذه فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى».
يلاحظ أن الرئيس تحدث عن «الدولة الوطنية الحديثة» كمحور ارتكاز للخروج من المأزق الدولى والإقليمى، وكيف أن هناك محاولات خارجية تتزامن وتتوحد مع مخططات داخلية من دعاة إسقاط الدول أو إخضاعها للسوق والشركات، وهؤلاء لايتورعون أن يعلنوا ذلك ويتوحدوا معا سواء تشدقوا بشعارات «يسارية اشتراكية»، أو ليبرالية، أو إسلامية، جميعهم لايخرجون عن المخططات المعلنة والدولية لإسقاط دول المنطقة أو تفتيتها، كما أن الرئيس أكد فى خطابه أو إعلان المبادئ الذى وجهها للداخل والخارج، وهو أن هذة الدولة تقوم على: التى تقوم على مبادئ المواطنة، والمساواة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القَبَلية، أى دولة متعددة الأديان والأعراق والثقافات والمذاهب على أرضية المساواة والمواطنة وسيادة القانون.
وإذا عرجنا إلى الورقة الفلسطينية الإسرائيلية نجد أن إدارة السيسى قد استعادت الملف الفلسطينى، الذى كاد يسقط من يديها بعد الوزير عمر سليمان، حيث استضافت القاهرة اجتماعًا للمكتب السياسى للحركة بين أعضاء المكتب فى الداخل والخارج لأول مرة منذ انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسى، ووافقت حماس على إلغاء اللجنة الإدارية، وأن تتيح لحكومة الوفاق الوطنى العمل بشكل عملى وفعلى فى قطاع غزة، وأن يتم الاتفاق على الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية.. تلك التطورات حدثت بعد أن غازلت حماس النظام السورى بعودة العلاقات فى مناورة انتهازية، الأمر الذى أدركت منه الدوائر المصرية والسعودية أن حماس ستنتقل إلى المعسكر الإيرانى القطرى فتم الإسراع باحتواء حماس، على الجانب الآخر كانت حركة حماس قد أفلست سياسيا وماليا، وسبق أن قدمت مقترحا لإسرائيل بالاعتراف بالدولة العبرية مقابل هدنة، وكانت قطر هى عراب ذلك الاتفاق.