بدأت نسائم الخريف تحل أخيرا بعد صيف طويل وحار، عاد الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، وقلت أمسيات الخروج من المنزل، وأتى وقت القراءة، ولأن الخريف هو موسم مميز لمحبى "الشجن" والذكريات، فإننا ننصحك بـ 10 روايات يجب أن تقرأها فى هذا الفصل.
1- دروز بلجراد ( حكاية حنا يعقوب ) – ربيع جابر
هذه الرواية المميزة للكاتب اللبنانى ربيع جابر فازت بجائزة "البوكر" للرواية العربية عام 2012، هى رواية حزينة وليست كبيرة، يمكن أن تقرأها فى ليلة واحدة، تقوم وقائعها على أحداث حقيقية، وقعت عام 1860، حين اندلعت أول حرب أهلية فى لبنان وكانت بين الدروز والموارنة، فصدر مرسوم عثمانى بترحيل 550 درزيا من لبنان إلى مدينة بلغراد على أطراف الدولة العثمانية.
حنا يعقوب هو بائع بيض مسيحى، تصادف وجوده عند ميناء بيروت فى لحظة الترحيل، وبطريق الرشوة اقتيد حنا يعقوب بين هؤلاء بدلا من رجل درزى دفع رشوة للضابط العثمانى، ليمكث حنا يعقوب 12 عاما وهو المسيحى مسجونا بين الدروز.
هذه رواية عن ألم السجون، وعن قسوة التاريخ قبل أن يقر العالم مواثيق حقوق الإنسان، هذه رواية أيضا عن التعايش، فحين يجمعنا ظلام اقبية السجون، قد نعرف اننا كان بالإمكان أن نعيش اخوة في مكان اكثر رحابة من هذا .. لكننا ببساطة رفضنا.
2- كتيب سوداء – محمد المنسى قنديل
فى أغوار تاريخنا المصرى حكايات كثيرة منسية، حتى لو لم تكن تلك الحكايات بعيدة للغاية، منها تاريخ "الأورطة المصرية" أو الكتيبة المصرية التى سافرت إلى المكسيك في عهد الخديوي اسماعيل، كلمات قليلة تحكي عن بضع مئات من الجنود المصريين سافروا إلى المكسيك كي يحاربوا بجانب الفرنسيين بعدما طلب ديليسيبس للخديوي اسماعيل بإرسالهم، الكثير من الحكايات عن قائد الأورطة جبر الله ونائبه محمد ألماس، وكأنما هذا التاريخ الطويل المسكوت عنه قد انتظر حتى يأتي محمد المنسي قنديل ليعيد الروح إليه.
لم يكونوا فقط بضع أسطر في كتب التاريخ، عديمي الأهمية، بل كانوا ارواحاً وبشراً اقتيدوا إلى أرض غريبة عنهم، إلى حيث المعركة التى لا يفهمون كثيرا دوافعها، إنهم بشر أصحاب أحلام وأماني وحياة انتزعوا منها ليجدوا انفسهم وسط الحرب الرهيبة بلا مبرر سوى نزعات استعمارية.
هنا يدمج المنسى قنديل بين "الأدب" و"التاريخ"، يعيد لهم اعتبار الحياة، يتخيلهم وسط المعركة الرهيبة، يقاتلون فى أرض لا يفهمون لغة أهلها، ولا يعرفون عاداتهم وتقاليدهم.
3- التائهون – أمين معلوف
آدم الأكاديمى الذى عاش فى المنفى الفرنسى عقب الحرب اللبنانية قرر أن يعود إلى بلاده لبنان، ليحضر جنازة صديق عزيز، يمكث أسبوعا فى بلاده لبنان، ويلتقى أبناء جيله، هذا الجيل الذى حلم بـ "القومية العربية"، وإغراق اسرائيل فى البحر، فاستيقظ على وقع نكسة عارمة أطاحت بكل أحلامه، وحين أفاق أخيرا بحرب اكتوبر فاجأه السادات بمبادرة السلام، ثم اندلعت الحرب الأهلية فى لبنان، تلك الحرب التى جاءت لتقضى بشراستها غير المعهودة على كل شيء.
اليوم وبعد ان انتهت الحرب وبعد أن أصبحت اسرائيل واقعا، والقومية العربية وهما، كيف يرى هذا الجيل الذى عاش الهزيمة ماضيه، وكيف يفكر فى مستقبله، وهل تخلص هؤلاء الذين غادرونا تماما من "تراب الأوطان" أم أنها تظل عالقة فى القلب تأبى أن تغادرنا.
هذا ما يحاول آدم أو "أمين معلوف" أن يجيب عليه فى روايته تلك.
4- الغريب – ألبير كامو
هل يمكن للمجتمع أن يتقبل شخصا مختلف؟، هو غير مؤذى، وغير ضار، لكنه مختلف وغريب، فقط ليس كبقية البشر ماتت أمه فلم يشعر بالألم لحزنها، ووقع بالخطأ فى مشكلة فلم يتوسل لطلب النجاة، ببساطة هو غريب عن طبائع البشر، لكنه لا يؤذى، فهل نقبله وسطنا؟
فى رواية من القطع الصغير يحاول الفيلسوف الوجودى، والروائى الفرنسى ألبير كامو أن يجيب بطريقته الفلسفية المعتادة، وبطريقة روائية عن السؤال، هذه هى أول روايات كامو، الذى لم يحتج سوى لرواية أخرى هى "التمرد"لينال جائزة نوبل فى الأدب،ليصبح ثانى أصغر من نال جائزة نوبل.
5- تلك العتمة الباهرة – الطاهر بن جلون
حين يريد الإنسان أن يؤذى إنسانا آخر، فإن بحورا لا متناهية من الشر تنفتح أمام عينيه، جحيما يمكن أن يخلقه للآخرين، هذه رواية وقعت أحداثها حقيقية، فى سنوات الأضطراب السياسى فى المغرب فى السبعينات، والمعروفة باسم "سنوات الرصاص".
مجموعة اتهمت بمحاولة الانقلاب على السلطة، فصنع لها خصيصا سجنا تحت الأرض فى المعتقل الرهيب المعروف باسم "تزمامارت"، كان عبارة عن مبنى كاملا تحت الأرض، بقى فيه هؤلاء لثمانية عشر عاما، محرومون من الضوء، والدواء، من الغطاء، من كل ما يحتاجه الإنسان ليحيا، ماتوا موتا بطيئا.
يقول الطاهر بن جلون على لسان بطله: " من المؤكد انهم القوا بنا هناك لكي نموت، وكانت مهمة الحراس تقضي بان يبقوا علينا في حال من الإحتضار اطول مدة ممكنة ، وكان علي اجسادنا ان تعاني التحلل شيئا فشيئا وان يطول امد عذابنا لكي يتسنى له ان ينتشر ببطء والا يغفل عضوا، أو رقعة من الجلد ، أن يصعد من أخمص القدم حتى أطراف الشعر ، أن يسري بين الثنيات ، بين التجاعيد ، وأن ينغرز مثل إبرة بحثاً عن شريان ليودع فيه سمه".
6- "باولا" – إيزابيل ألليندى
"أسمعى يا باولا، سأقص عليكى قصة لكى لا تكونى ضائعة تماما حين تستيقظين"، بهذه الكلمات بدأت الروائية العالمية إيزابيل ألليندى حكايتها حين دخلت ابنتها فى غيبوبة بسبب مرض السرطان الذى اكتشفته الأم لتوها، جلست الأم بجوار ابنتها الغائبة عن الوعى، وقررت أن تحكى لها تاريخ أسرتها الطويل، والذى هو صورة مصغرة لما كانت عليه أمريكا اللاتينية فى السبعينيات، وتحديدا البلد الجميل تشيلى، خصوصا بسبب القرابة بين إيزابيل الليندى، والرئيس التشيلى السابق "سيلفادور ألليندى"
عام ونصف ظلت إيزابيل بجوار بنتها، تحكى وتكتب عن العائلة، لكن القدر لم يمهل "باولا" لتفيق من غيبوبتها وتقرأ حكاية أمها وعائلتها، فارقت الحياة، لكنها تركت وراءها اسمها على رواية من أجمل ما كتب من الأدب اللاتينى.
خصصت إيزابيل ربع قيمة مبيعات الكتاب إلى أبحاث علاج السرطان.
7- لحظات غرق جزيرة الحوت – محمد المخزنجى
هذه ليست رواية، لكنها ما يطلق عليه فى فن الأدب، المتتالية القصصية، كان المخزنجى محظوظا ليعيش لحظات انفجار مفاعل تشير نوبل عام 1986 فى حينها، حيث كان مبتعثا إلى الاتحاد السوفيتى لدراسة الطب، وتحديدا مدينة كييف، التى أضحت العاصمة الأوكرانية بعد انهيار الاتحاد، تلك اللحظة التاريخية النادرة التى عاشها أيضا محمد المخزنجى بعدما انتقل إلى موسكو.
هذه ليست كتابة تاريخية، بل هى كتابة إنسانية تماما، تظهر عجز الإنسان فى لحظات تتغلب عليه الحياة، مفاعل نووى ينفجر، وموت ينتشر فى الأجواء، وبلد هى ثانى أكبر بلد فى العالم تنهار، الكل يقرأ فى الأخبار، ويسمع، لكن القليلون فقط من يعيشون الحدث بنظرة إنسانية وأدبية، يرصدوا أدق تفاصيل وجع الإنسان ومأساته.
8- مالك الحزين – إبراهيم أصلان
على الأرجح ستكون قد شاهدت فيلم الكتكات، والذى هو مأخوذ عن رواية للمبدع إبراهيم أصلان، لكن الفيلم لا علاقة له تقريبا بالرواية، فالشيخ حسنى ليس سوى جار يوسف، وليس والده كما ظهر فى الفيلم، أما الشيخ حسنى نفسه فليس بطل الرواية، بل هو واحد من أشخاص الرواية الكثيرين.
هذه رواية كتبها ابراهيم أصلان فى 9 سنوات كاملة، رغم أنها تقع فى 156 صفحة فقط، وتدور أحداثها فقط فى يوم وليلة، لكنها ليست أى يوم وأى ليلة، هى الليلة التى وقعت فيها أحداث 18 و19 يناير عام 1977، والتى عرفت فيما بعد بـ "انتفاضة الحرامية" كما أطلق عليها الرئيس السادات.
هذه رواية التفاصيل الدقيقة جدا، وحياة الناس البسيطة، فى حى الكيت كات، هذه رواية تشعر معها بتفاصيل المكان ورائحته، رغم انك أنك لم تزره أبدا.
9- الحنين إلى كتالونيا – جورج أورويل
بالتأكيد تسمع هذه الأيام عن محاولات إقليم "كتالونيا" الأسبانى للانفصال عن إسبانيا، هذه الحكاية لها تاريخ بعيد، يعود لواحدة من أشرس الحروب الأهلية فى التاريخ، وهى الحرب الأهلية الإسبانية، جورج أورويل الروائى الإنجليزى الشهير عاش تفاصيل تلك الحرب، بل وانضم إلى أحد جبهاتها، كعسكرى.
فى هذه الرواية يحكى أورويل بأسلوب يجمع بين الحزن والطرافة عن تاريخ تلك الحرب التى جعلت من إسبانيا، ثانى أكبر بلد فى العالم يحتوى على مقابر جماعية، كيف بدأت الحرب وكيف انتهت، ولماذا فاز "الفاشيين" فيها وخسر الآخرون رغم الدعم الدولى من روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا.
هذه رواية تاريخية، لترى فيها جانبا آخر من "برشلونة" بخلاف جانبها "الكروى" الذى نعرفه كلنا.
10- الخريف والسمان – نجيب محفوظ
هذه مسك ختام رواياتنا العشرة، عيسى الدباغ مناضل قديم، حارب قناة السويس ضد الإنجليز، وعشق وطنه لكن على طريقته "الوفدية"، بعد ثورة 1952، حوكم الدباغ بتهمة الفساد، ليجد نفسه مطرودا من السلطة بتهمة شائنة، انكسر حلمه، وضاع طموحه، وهو تماما كما السمان، حين يأتى الخريف يجد نفسه مضطرا للهرب، ولكن هذه المرة الهرب من ذاته ، والهرب من ماضيه، فهل ينجح يا ترى ؟
هذه رواية نجيب محفوظ أيضا، الرجل الذى أحب الوفد ، ولم يحب ثورة يوليو كثيرا، وكأنه يحكى عن نفسه ربما، أو عن رفاقه، أو حتى عن مصر التى رآها نجيب محفوظ.