يوسف أيوب

السير الذاتية وتقديس عبدالناصر

السبت، 30 سبتمبر 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أزمة التاريخ أنه يكتب وفق الأهواء الشخصية من غير أنصاف أو حياد، لذلك سنظل ندور حول أنفسنا بحثا عن الحقيقة الضائعة، وللعلم فهذه ليست آفة مصرية أصيلة وإنما هى اختراع يحكم العالم كله، فلا تخلو مذكرات شخصية من تفخيم لذات الكاتب، ونقد قد يصل إلى درجة التجريح فى المختلفين مع الكاتب.
 
ومع خروج السير الذاتية للسياسيين تحديداً إلى العلن تصطحب معها جدل يثار هنا وهناك، بسبب واقعة أو عدة وقائع يراها الكاتب حقيقة، فيما يعتبرها آخرون تزييفا للواقع، وآخرها ما حدث مع السياسى والدبلوماسى عمرو موسى، الذى أثار جدلاً كبيراً بمذكراته التى حملت عنوان «كتابيه»، والغريب أن الجميع ترك كل ما كتبه موسى عن نفسه وعن مراحل زمنية عايشها، وركزوا على أمرين، الأول حينما نفى حصول الراحل أسامه الباز المستشار السياسى السابق لرئيس الجمهورية على درجة الدكتوراة، وهو ما ردت عليه عائلة الباز بنفى ما ذكره موسى وكان لافتاً لى أن الرد كان بطريقة مهذبة ومقنعة فى نفس الوقت للكاتب وللقارئ أيضاً، خاصة حينما، قال الدكتور فاروق الباز إن لديه عتابا على ما ذكره عمرو موسى فى مذكراته، والصحيح أن الدكتور أسامة الباز حصل على الدكتوراه فى القانون الدولى من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1966.
 
أما الأمر الثانى الذى أثار موجة غضب كبيرة بين الناصريين فى مصر حينما قال عمرو موسى، إن عبدالناصر كان يستورد طعاماً خاصاً له من الخارج، وتحديداً من سويسرا، لاهتمامه بنظام غذائى يؤدى لخفض الوزن، وكان يرسل من وقت إلى آخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا، وقال موسى إنه خلال عمله بسفارة مصر فى سويسرا كان رجل ضخم الجثة يأتى لاستلام الطعام وكان موسى هو المسؤول عن تسليمها له.
بمجرد أن قرأ أبناء ومحبى عبدالناصر هذه الواقعة فى «كتابيه» حتى انتفضوا جميعاً على موسى، ووجهوا له سيل من الشتائم والتجريح، دون أن يتكفل أيا منهم بالرد المنطقى والموضوعى على ما جاء فى المذكرات.
 
قد يكون ما كتبه عمرو موسى صحيحاً، وقد يكون تلفيق لا يليق بشخص الكاتب ولا المقصود من الواقعة، لكن ما يهمنى فى هذه الجزئية تحديداً هو ردة فعل محبى أو مريدى الزعيم جمال عبدالناصر، فمشكلة عبدالناصر التى أراها خطيرة أن محبيه ومريديه لا يتصورون أنه أخطأ رغم انه بشر وله أخطاء كثير، منها فادحة لكن الشعب غفرها له لأنه رأى فيه النموذج المخلص.. نعم مشكلة عبدالناصر أن بيننا من أوصلوه إلى درجة القدسية ولا يقبلون حتى مجرد النقاش أو الخلاف حول سياساته أو جزء من تاريخه، ويعتبرون مجرد النقاش حوله خيانة للقضية الوطنية التى بنى عليها عبدالناصر شعبيته.
 
كما قلت أنه من الطبيعى تصور وقوع عمرو موسى فى خطأ سرد واقعة معينة وقد يلتبس عليه الأمر، وقد يكون صحيحا ولديه ما يثبت اقواله لكن الحل فى الحالتين ليس التخوين أو التجريح الشخصى، لأن الوصول إلى هذه المرحلة معناه أن الطرف الآخر خالى الوفاض من الأدلة التى يرد بها على ما قاله موسى، وكنت أتمنى أن يخرج أبناء عبدالناصر ومريديه ليردوا على موسى بالأدلة لا بالشتائم، لكن للأسف أختار الجميع طريق واحد وهو السب، وكأنهن بأيدهم وجهوا ضربة قاسية لشعبية عبدالناصر.
 
بالتأكيد إن ما قاله موسى عن عبدالناصر فى واقعة الغذاء الذى يأتيه من سويسرا يعد بمثابة التشكيك فى شخصية وذمة الشخصية التى لا تزال صورتها معلقة فى قلوب وأذهان ليس المصريين فقط وإنما كل باحث وداعى للحرية، لكن الرد لا يجب أن يكون بهذه الطريقة أبداً، لأن ما حدث خطأ ارتكبه أبناء ومحبى عبدالناصر، وهذا لم يكن الخطأ الأول، فمنذ فترة وأنا أتابع ردود أفعال محبى عبدالناصر، وهم بالمناسبة كثيرين، على كل من يحاول الحديث بشكل غير إيجابى عن الزعيم، ولسان حالى، لو كان عبدالناصر بيننا الآن، هل سيعجبه تصرفات هؤلاء.. بالطبع لا، لأنها تسئ له قبل أن تضيف لشعبيته.
 
عبدالناصر نفسه كان يدرك أنه بشر يخطئ ويصيب، وحينما اختار العمل السياسى كان يعلم أنه أصبح محلاً للتقييم، وعليه أن يتقبل النقد قبل المدح، وربما من المفيد أن نعيد جميعاً قراءة تاريخ عبدالناصر وردوده فى الكثير من المواقف التى عايشها لندرك أن الرجل لم يكن يفكر بالطريقة التى تتحكم فى عقولهم حالياً، فهو كما قلت بشر يخطئ ويصيب، ولم ولن يصل أبداً إلى درجة العصمة.
 
نعم عبدالناصر كان لا يتكبر على الخطأ، وللعلم فمن يتابع بإنصاف تاريخه سيجد الكثير من الأخطاء السياسية والاستراتيجية التى كلفت مصر الكثير، وأقواها على الإطلاق مسؤوليته عن نكسة 1967، التى يمكن اعتبارها أقوى اختبار مر به عبدالناصر، وفى نفس الوقت دليل أقوى رد ايضاً على ما يقدسون عبدالناصر، فالرجل لم يخشَ مواجهة المصريين وخرج عليهم بخطاب التنحى معترفاً بالخطأ والمسؤولية، ولأنه امتلك شجاعة الموقف خرج المصريين فى مشهد أذهل الجميع وطالبوا عبدالناصر بالاستمرار فى الحكم.. نعم المصريين تحملوا عبدالناصر رغم النكسة لأنه لم يهرب من المسؤولية ولم يعتبر نفسه فوق النقد.
 
عبدالناصر كان يدرك ذلك، فلماذا لا يتعامل محبيه بنفس الفكر والمنطق، بدلاً من تسيطر عليهم العصبية التى غالباً من تقلل من شعبيته.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة