القارئ لتاريخ مصر الحديث لن يتعجب عندما يعرف أن بعض المطربين كانوا مشايخ مثل الشيخ سيد درويش والشيخ أبو العلا محمد، والشيخ زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب وأن كثير ا من قارئى القرآن كانوا محبين للإنشاد والغناء وكان بعضهم يعزف على آلة موسيقيّة مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ نصر الدين طوبار الذين كانوا يعزفون على آلة العود، وسنعرض لعشرة ممن صاحبهم لقب شيخ وكان القرآن والموسيقى جزءا من حياتهم.
الشيخ درويش الحريرى أستاذ الأساتذة
كان «درويش الحريري» جامعة فنية لا يرتبط به أحد من محبى الموسيقى والغناء إلا وعلا شأنه فى هذا المجال، والشيخ درويش الحريرى ملحن وأستاذ مصرى ولد بقسم الجمالية بالقاهرة عام 1881، فقد إحدى عينيه فى العام الأول وفقد العين الثانية وهو فى الأربعين من عمره، عندما بلغ الثالثة من عمره أرسله والده إلى كتاب الحى ليحفظ القرآن الكريم فأتم حفظه وهو فى التاسعة من عمره على يد أستاذه السيد أبو الهاشم.
بعدها أرسله والده ليدرس فى الأزهر الشريف فجود القرآن الكريم مرة على يد أستاذه الشيخ مبروك حسنين وأخرى على يد أستاذه الشيخ على سبيع، وبعد ذلك استمر يدرس العلوم الدينية واللغة العربية وكان حبه للموسيقى والغناء يمثل جانبا جوهريا فى شخصيته فدرس مبادئها على يد الشيخ على محمود ثم واصل دراستها ولما بلغ مرحلة النضج سمح له بالتدريس فتعلم على يديه الكثيرون ممن صاروا مشاهير فيما بعد ومن هؤلاء نذكر الشيخ عبد السميع بيومى والشيخ سيد الطنطاوى كما عمل أستاذا بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية وتخرج على يده الكثير من كبار الموسيقيين، الذين صاروا نجوما فيما منهم محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطى، وقد ألف الشيخ درويش الحريرى الكثير من السماعيات والبشارف والموشحات والأوار والطقاطيق.
الشيخ زكريا أحمد تلحين القرآن
درس زكريا الموسيقى على يد الشيخ درويش الحريري، الذى ألحقه ببطانة إمام المنشدين، الشيخ على محمود، كما تعلم الموسيقى على يد الشيخ «المسلوب» وإبراهيم القبانى وغيرهما. فى صباه حفظ الشيخ زكريا أحمد، القرآن والتحق بعدها بالأزهر، واقترح تلحين القرآن دون آلات موسيقية، بهدف حفظ تلك المقامات من الضياع أو من النسيان بموت روادها، لكن الأزهر قابل الأمر بالرفض آنذاك، بحسب ما ذكره صبرى أبو المجد فى موسوعة أعلام العرب. عهد أبوه إلى الشيخ «درويش الحريري» فى تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم، وتحولت العلاقة بين الشيخ زكريا أحمد والشيخ درويش الحريرى إلى علاقة نسب، ووقتها دفعه «درويش الحريرى» إلى الغناء فى بطانة الشيخ «سيد محمود» خادم السيرة النبوية، إلا أنه لم يلتزم بها سوى أشهر قليلة، وعاد «زكريا» مرة أخرى إلى فرقة الحريري، ومنها انتقل على يد «الحريرى» ذاته إلى بطانة الشيخ «على محمود». تعلم «زكريا أحمد» على يد الشيخ «على محمود» أن يؤدى الأذان فجرا كل يوم على نغمة مختلفة، كما تعلم منه أيضا التجويد والتواشيح، ومن بطانة الشيخ «على محمود» انتقل «زكريا أحمد» إلى فرقة الشيخ «إسماعيل سكر» للقراءة والإنشاد، وساعتها انتشر صيته فى القاهرة والأقاليم حتى استدعاه السلطان «محمد رشاد» إلى الأستانة لإحياء الحفلات.
الشيخ أبو العلا محمد الصب تفضحه عيونه
يقول الزركلى فى موسوعته «الأعلام» عن أم كلثوم و«أعجب بصوتها أبو العلا محمد ولحن لها نحو 30 أغنية»، وفى مسلسل أم كلثوم، الذى كتبه محفوظ عبدالرحمن ظهرت شخصية الشيخ أبو العلا محمد بصورة لافتة، حيث كان رجلا محبا للموسيقى وقراءة القرآن والتواشيح والمديح النبوى.
فى شبابه كان الشيخ أبو العلا محمد قارئا ومنشدا لقصائد المديح النبوى والتواشيح الدينية، وكان الشاعر أحمد رامى جاره فى حى الناصرية، وكان الشيخ أبو العلا قد أصبح علمًا عندما أهداه أحمد رامى ديوانه الأول متمنيا عليه أن يختار إحدى قصائده لكى يلحنها ويغنيها واختار الشيخ أبو العلا قصيدة «الصب تفضحه عيونه» وغناها ثم أعطاها إلى أم كلثوم لتكون سبب اللقاء بينها وبين أحمد فى بداياته غنى الشيخ أبو العلا محمد قصيدة للشاعر المصرى الشبراوى يقول مطلعها «وحقك أنت المنى والطلب» ليصبح بعدها من أشهر المطربين والملحنين فى مصر، ومن أغنياته الشهيرة أفديه: إن حفظ الهوى أو ضيعه ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعه، وغيرى على السلوان قادر، ويا عازلى لا تلمنى إن عبث، وأنا من هجرك، وآه من قوامك، أراك عصى الدمع شيمتك الصبر.
ويجمع مؤرخو الموسيقى الشرقية فى مصر على أن الشيخ أبو العلا محمد لعب دورا مهما للغاية للارتقاء بمستوى اللفظ واللحن فى مواجهة الانحدار الذى ساد الأغنية فى حقبة العشرينيات، التى أصبحت تخاطب الغرائز بكلمات منحدرة المستوى.
الشيخ سلامة حجازى مسرح مصرى
الشيخ سلامة حجازى، ملحن ومغنى مصرى ورائد من رواد المسرح الغنائى فى مصر فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولد بحى رأس التين بالإسكندرية عام 1852، توفى والده وهو بالثالثة من العمر رباه جده لأبيه، وعندما بلغ سلامة السادسة حفظ القرآن الكريم وبدأ يشارك المقرئين والمنشدين فى الأذكار.. وتعلم أثناء ذلك العزف على « السلامية.. تعلم سلامة حجازى قواعد الغناء وأسس الإنشاد على يد الشيخ «أحمد الياسرجى»، الذى كان حجة المنشدين بالإسكندرية.. ومن بعده على يد الشيخ «خليل محرم»، الذى حفظ عنه الكثير من القصائد والألحان، وتعلم فنون النظم ووزن النغم، وألف جوقه التف حوله بعض الشعراء والزجالين ونظموا له قصائد لحنها بنفسه وتغنى بها بصوته، واجتهد أن يقدم القصائد القديمة فى قالب جديد خاصة، كما أحيا الأفراح مما أدى إلى ارتفاع شهرته.
وضع سلامة حجازى اللبنات الأولى لتطوير الموسيقى فى مجال المسرح الغنائى العربي. ومعه أصبحت الأغنية جزءا من المسرحية متأثرة بأحداث المسرحية.. وليست دخيلة عليها.. كما ارتقى بالمستوى الفنى للمسرح فى مختلف نواحيه.
مصطفى إسماعيل الحضارة المصرية
الشيخ مصطفى إسماعيل، أحد أصوت السماء، الذى كان قارئ الملك ثم صار قارئ الثورة، حيث وصف محمود السعدنى ذلك فى كتابه ألحان السماء بأن ذلك حدث تأكيد لمقولة «خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام». الشيخ مصطفى إسماعيل، نموذج لا يختلف عليه أحد، فى الرقى والحضارة، فقد كان الشيح المولود فى قرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية فى 17 يونيو 1905 ميلادية، واحدا من أبرز المقرئين فى القرن العشرين، واستطاع أن يجمع حوله القلوب جميعا، التى شغفت بصوته وحسه، وقرأ القرآن بأكثر من 19 مقامًا بفروعها. سجَّل بصوته تلاوة القرآن الكريم كاملًا مرتلًا. ترك وراءه 1300 تلاوة لا تزال تبث عبر إذاعات القرآن الكريم. واختاره الملك فاروق قارئًا للقصر الملكى وكرمه عبدالناصر وأخذه معه السادات فى زيارته للقدس.
وفى الوقت نفسه له صورة مشهورة فى الصحف تظهر فيها زوجته السيدة فاطمة عمر دون حجاب وهى تعزف البيانو، حيث اختارت مقطوعة «اطلب عينيَّ» التى تغنيها ليلى مُراد، بينما الشيخ يبدو عليه الانسجام، قبل أن يقول لها، حسب الصحيفة «أحسنتِ».