إن استخدام الولايات المتحدة للدرع الصاروخية لن يتوقف فقط عند حماية الأراضى الأمريكية، ولكن سوف يكون مظلة لمد هذا النظام لحلفاء الولايات المتحدة فى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، من أجل توفير حماية مماثلة من الدفاع الصاروخى لهم، كما أن هذا المشروع سوف يقوض بمعاهدة الحد من الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية، لذلك تطالب الولايات المتحدة تعديل هذه المعاهدة حتى تتمكن من استكمال هذا المشروع، ولكن ترفض روسيا إدخال تعديلات على هذه المعاهدة وتطرح على الولايات المتحدة مبادرة لإنشاء نظام عالمى للسيطرة على الانتشار الصاروخى وتكنولوجيا الصواريخ، فى حين ترى روسيا أن تبرير الولايات المتحدة لهذه المنظومة باعتبارها درعا وقائيا من صواريخ كوريا الشمالية وإيران ونشرها فى بولندا وجمهورية التشيك ورومانيا سوف تؤدى إلى استهداف روسيا فى المستقبل، لذلك فقد عرض بوتين على الرئيس الأسبق بوش استخدام موقع رادار روسى فى إذربيجان كبديل للنظام الذى يتم إنشاؤه فى التشيك، كما اقترح بوتين على بوش أيضا استعمال قاعدة رادارية أخرى قيد الإنشاء فى منطقة كراسنودار جنوب روسيا، وهذا ما يؤكد أن روسيا لا ترفض المشروع من حيث المبدأ، ولكن ترفض انفراد الولايات المتحدة بتنفيذه وتأكيد هيمنتها فى منطقة مازالت تعتبرها روسيا بوابتها الغربية.
وفى النهاية وكما تقول الباحثة مروة محمد عبدالحميد عبدالمجيد فى دراستها التى حملت عنوان «التغير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر»، فقد استنكر المسؤولون الروس نظام الدفاع الصاروخى، وألمحوا أنهم سوف يتخذون خطوات للرد ومنها الانسحاب من اتفاقيات الحد من التسلح مثل اتفاقية القوى النووية المتوسطة المعروفة باسم ستارت - 2، ومعاودة بناء صواريخ متوسطة المدى وتعزيز التعاون الدبلوماسى مع الصين التى تعارض أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية، وأن روسيا سوف تسعى إلى خلق انقسامات بين أوروبا والولايات المتحدة فيما يتعلق بهذه القضية، حيث إن روسيا سوف تخلق علاقات تعاونية مع أوروبا الغربية فى مجال الدفاع الصاروخى القومى الأمريكى الذى يروق بعض الأوروبين، فضلا عن اقتراحها بإقامة درع صاروخية حول أوروبا بما فى ذلك غربى روسيا، ويستخدم ذلك الدرع دفاعات يمكنها اعتراض الصواريخ فى ممر إطلاقها، ومع هذا فقد أبقى بوتين الباب مفتوحا أمام عقد اتفاق مع الولايات المتحدة فى هذا الصدد.
استراتيجية الرئيس بوش الابن فى الحرب على العراق وأفغانستان:
أولا استراتيجية الرئيس بوش الابن فى الحرب على العراق: لقد كانت الحرب الأمريكية على العراق النموذج العملى لمبدأ الضربات الاستباقية فقد بررت إدارة بوش حربها على العراق لعدة أسباب، وهى الخوف من امتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، خاصة أسلحة كيمياوئية وبيولوجية، وهو ما يجعلنا نرى أن صدام أعطى للأمريكان المبرر لغزو بلاده، فقد سعى العراق لشراء اليوارنيوم من دولة أفريقية، وذلك كان دليل على الطموح العراق لصنع السلاح النووى، أيضا الخوف من حدوث تعاون بين العراق ومنظمات إرهابية، فضلا عن ردع أى محاولة لتقليد النموذج العراقى فى المستقبل.
أن أحداث 11 سبتمبر قد أبرزت أهم المخاطر التى من الممكن أن تنجم عن انتشار أسلحة الدمار الشامل على الساحة الدولية ولدى دول محور الشر، فالولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تتعرض فى المستقبل لهجمات مماثلة لهجمات سبتمبر، ولكن باستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية سواء عن طريق الصواريخ الباليستية أو أى وسيلة أخرى، مما يكبد الاقتصاد الأمريكى خسائر فادحة، وقد توصلت إدارة بوش فى النهاية أن الخيار العسكرى هو الحل الأمثل لتدمير وتحييد القدرات العراقية فى مجال أسلحة الدمار الشامل، خاصة أن الوسائل الأخرى مثل العقوبات الاقتصادية والغارات الجوية وعمليات التفتيش الدولية أصبحت عديمة الجدوى، وفقا لوجهة نظر إدارة بوش.
ولقد كانت الاستراتيجية التى طرحتها إدارة بوش الابن وقتها تجاه العراق إستراتيجية عدائية، وقد اتخذ التصعيد الأمريكى ضد العراق عدة أشكال منها، إصدرار الرئيس الأمريكى بوش قرارا تنفيذيا يسمح لوكالة المخابرات المركزية باستخدام كل الأساليب بما فيها الاغتيالات السياسية للإطاحة بنظام صدام حسين، فضلا عن موافقته على تخصيص 200 مليون دولار للقيام بعمليات سرية فى العراق، هدفها الإطاحة بهذا النظام، تصعيد لغة الخطاب الأمريكى بشأن العراق وإصرار الولايات المتحدة على إزالة الخطر الذى يمثله هذا النظام وقد كانت أهم البنود التى جاءت بهذا الخطاب، التأكيد على ضرورة نزع أسلحة العراق الغير تقليدية واتهامها بالاستمرار فى انتهاك التزاماتها الدولية منذ انتهاء حرب تحرير الكويت، سواء بالتهرب من الكشف عن مخزونها وبرامجها، من أسلحة الدمار الشامل أو استمرارها فى تطويره وإذا استمرت العراق فى رفضها للانصياع لقرارات مجلس الأمن فإن واشنطن ستتعاون مع غيرها من أعضاء مجلس الأمن، من أجل إصدار قرار جديد يهدف لنزع أسلحة الدمار الشامل، وتشكيل حكومة جديدة تمثل جميع الأطراف فى العراق، وتنبثق من انتخابات تشرف عليها المجموعة الدولية، تعميق عزلة النظام العراقى التشكيك فى محاولة عراقية للتصالح مع الدول العربية، والدليل على ذلك عندما استخفت إدارة بوش بالقمة العربية التى عقدت فى بيروت ولهذا سعت إدارة بوش وقتها قطع الطريق لأية محاولة من شأنها تسوية الأزمة العراقية سليما عندما قدمت العراق للأمم المتحدة عرضا بقبول عودة المفتشين الدوليين إلى العراق لاستئناف نشاطهم، قد أجرت فى سبيل ذلك سلسلة من المفاوضات، ونواصل فى الحلقات المقبلة، إن شاء الله، كشف الكثير من العمليات الخاصة للأمريكان لحماية أمنهم القومى.