قبل ظهور الاستديوهات التحليلية للمباريات، كان الجمهور الكروى يلعب هذا الدور، يجتمع الجمهور فى مجموعات ليحلل المباراة فور انتهائها، مع مراعاة الانحيازات الكروية لكل طرف. وكل متفرج يرى نفسه قادرا على تحليل المباراة وإظهار نقاط الضعف وتوجيه انتقادات للاعبين والمدرب بل والمعلقين، واتهامهم بالانحياز أحيانا كثيرة، خاصة فى مباريات الأهلى والزمالك الخصمين التاريخيين. فقد كان المرحوم محمد لطيف معروفا بزمالكاويته، بينما كان على زيوار أهلاويا، وكان الإذاعى الشهير فهمى عمر يقدم تحليلا سريعا للمباراة، وهو الآخر معروفا بزمالكاويته ومن الصعب عليه إخفاء انحيازه.
كانت لعبة كرة القدم وجمهورها وعالمها بسيطا، لم يكن الاحتراف والمال الضخم عرف طريقه للمستطيلات الخضراء. كان التعصب واضحا، لكن ببساطة أكثر، ما قبل ظهور الألتراس ضمن عالم أصبح أكثر تعقيدا، لكن الدنيا تغيرت واتسعت، وبقى شعور كل متفرج أنه يعرف ويمكنه أن يوجه انتقاداته للاعبين والمدير الفنى أثناء وبعد المباراة.
فى زمن اتساع الفضائيات وأدوات الاتصال والتواصل، صارت التعليقات والتحليلات فورية على التايم لاين، وحلت الاستديوهات التحليلية مكان جمهور بسيط، ولا يختلف الأمر كثيرا فالاستديو التحليلى نادرا ما يأتى بجديد أمام حالة العلم التام لدى الجمهور، لقد اكتسبت كرة القدم شعبيتها من التقمص، المتفرج لا يرى نفسه خارج الملعب، بل هو فى الاستاد أو أمام الشاشات، شريك وفاعل وله حقوق فى توجيه انتقادات للخطط وتوقع التغييرات والتحركات، واتخاذ القرارات وإذا لم تنفذ فهو غاضب معترض يطالب بالعقاب.
وفى مباريات منتخبنا الأخيرة مع أوغندا بدأ فى مباراتى اللقاء أن هناك شيئا ما فى فريقنا، لا تناغم هجمات بلا أهداف غياب للتنسيق هناك مايمكن تلخيصه بغياب الروح، وأمثلة كثيرة بمباريات كان الجوهرى أو حسن شحاتة مديرا فنيا، وكان الأداء أكثر سخونة اليوم لدينا لاعبون دوليون محترفون فى فرق العالم، ومع هذا الناتج النهائى أقل من المتوقع.
وبالرغم من ربح المباراة الأخيرة أمام أوغندا هناك ما ينقص منتخبنا، الخطط والتصورات تراهن على هزيمة خصوم أكثر مما تراهن على الفوز، البعض يعلق المشكلة فى رقبة الدير الفنى، «كوبر» نال أكبر قدر من الانتقادات وهناك من يطالب برحيله واستبداله، من دون أن يجزم بأن تغيير المدير الفنى يحسم اللعب. وحتى أسماء مثل الجوهرى وحسن شحاتة كانوا يحصلون على المديح مع الفوز لكنهم يتحولون إلى هدف رمى فى حال الهزائم. وحتى فريق مثل الزمالك غير مديرى فنيين بعدد شهور السنة من دون أن تثبت النتائج أن المدير الفنى يغير شيئا. وربما كانت كثرة التغييرات للمديرين الفنيين دليل ارتباك.
وفى حال نجحنا فى الصعود لكأس العالم، لن يكون الهجوم على كوبر مثلما هو حادث الآن، لكن أكثر المتفائلين لا يتوقع بعد صعود فريقنا للمونديال أن نحقق نتائج بالصعود إلى أدوار أعلى من التصفيات، وكثيرا ما يبدو صعودنا هو رهان على تراجعات وحسابات معقدة لنتائج الفرق الأخرى، لا يوجد تخطيط متواصل لصناعة نتائج، وهذا لا يتم فقط بالروح مع أهميتها، لكن بالتراكم والتخطيط والعلم، وليس فقط بآراء المديرين الفنيين النظريين، واستديوهات التحليل التى لا تختلف كثيرا عما يجرى من جمهور محترف، طبعا فإن الصعود للتصفيات النهائية لكأس العالم له فرحته، لكنه لن يكون كافيا للشعور بأننا قادرون على الفوز من دون رهان على خسارة الآخرين، الجمهور يقدم ما لديه دائما بقلبه وعقله وينتظر فقط أن يشعر بفرح يساوى حرقة الدم.