قلنا من قبل إن الموقف المصرى الثابت من قضية القدس لن يمر دون ردود فعل أمريكية سخيفة، تبدأ ربما بقطع جزء من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وتنتهى إلى حملة مسعورة ضد الإدارة المصرية فى ملفين طالما استخدمتهما الإدارة الأمريكية لإبداء غضبها وعدم رضاها عن التحركات السياسية المصرية، هما ملف الأقباط واضطهادهم المزعوم، وملف حقوق الإنسان.
ربما لم تكن إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية يتصورون أن جميع أعضاء مجلس الأمن، الدائمى العضوية وغير الدائمين، سيصوتون- باستثناء واشنطن طبعًا- برفض قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وما يترتب على ذلك من نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة، التى تنظم شؤونها مجموعة من القرارات الأممية الملزمة لسلطة الاحتلال، وأن هذا الإجماع العالمى كان بسبب مشروع قرار مصرى تم الإعداد والحشد جيدًا له، واستطاع فرض العزلة على واشنطن باعتبارها الدولة الوحيدة التى تضرب عرض الحائط بالقانون والشرعية الدوليين، وتضفى المشروعية على آخر سلطة احتلال فى العالم، بناء على أساطير يعتنقها ترامب وأسرته وعدد من غلاة المتعصبين الأثرياء فى اللوبى اليهودى.
وبالفعل، رأينا كيف نظم الكونجرس منذ أيام جلسة استماع بشأن ما سماه وضع الأقباط فى مصر، استمع فيها إلى أحد الأقباط المهاجرين الحاملين للجنسية الأمريكية منذ سنوات، والمتعاون مع أجهزة الاستخبارات هناك، و زعم هذا الشخص أن أرواح الأقباط جميعًا فى خطر، وأن الدولة تتغافل عن حمايتهم، وهو المطلوب تسجيله فى جلسة الاستماع على لسان قيادى قبطى أمريكى يخشى على أرواح أبناء وطنه الأم من الإبادة والاضطهاد، ليستخدمه الكونجرس فى الوقت الذى يناسبه كورقة ضغط وابتزاز ضد مصر.
لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت استخدام منصاتها الإعلامية الكبرى لشن حملة تشويه ممنهجة ضد الموقف المصرى من قضية القدس، وخلق رأى عام عربى وإسلامى ضدها، بناء على أكاذيب وفبركات تشيع أن هناك موقفين مصريين، أحدهما معلن والآخر خفى، وأن الدولة المصرية تتبنى موقف ترامب من القدس، وتعمل على الترويج له إعلاميًا، لكنها فى العلن تتبنى موقفًا مناهضًا، ونشرت بالفعل منصة «نيويورك تايمز» تقريرًا مضحكًا مدعومًا بتسجيلات لمجهول سمته ضابط مخابرات وأطلقت عليه اسمًا بالفعل، وهو يعطى توجيهات لإعلاميين وشخصيات عامة، بينهم الفنانة يسرا، بضرورة الترويج لرام الله عاصمة للدولة الفلسطينية بدلًا من القدس.
لن نناقش البناء المهلهل للتقرير، ولا احتفاء الدوائر الإسرائيلية و«الجزيرة» وقنوات الإخوان به فى نفس توقيت بثه على منصة «نيويورك تايمز»، ولكن علينا التوقف طويلًا أمام أمرين مهمين.. استغلال الإدارات الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، وكالات الأنباء والمنصات الإعلامية الواسعة الانتشار لبث الأكاذيب والتقارير السياسية الموجهة والانتقامية، الأمر الذى يقوض مهنة الإعلام من الأساس.
والأمر الثانى، هو ضرورة التفكير فى وسائل ناجعة لمواجهة هذه المنصات الواسعة الانتشار، فرغم أن تقرير «نيويورك تايمز» لم يجلب لصاحبه ديفيد كيركباتريك وللصحيفة سوى السخرية والتكذيب فى مصر، فإن تأثيره حول العالم- رغم زيفه- مسألة تستحق التوقف والانتباه، هل الرد الرسمى للخارجية المصرية يكفى؟، هل مؤتمر هيئة الاستعلامات وحده يكفى؟، أم أن تأثيرهما موجه للداخل أكثر من الخارج ؟، وهل يكون اللجوء للقضاء الأمريكى والدولى وتغريم الصحيفة وغيرها من المنصات الإعلامية الموجهة للقصف السياسى نوعًا من الحل؟.. علينا أن نفكر فى ردود قوية موجهة للخارج، وننسى أمر الداخل المصرى الذى أصبح قادرًا على الفرز والتمييز بين الحقائق والفبركات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة