هناك ملاحظات سريعة على التعديل الوزارى، من واقع ما هو متوفر من معلومات، أهمها استمرار المهندس شريف إسماعيل رئيسا للحكومة، وقد شغل المنصب فى أخطر مرحلة، وتصدى لأكثر القرارات الاقتصادية خطورة وإيلاما، وعبر الكثير من التحذيرات والمخاوف، سواء تعويم الجنيه، أو إعادة توزيع الدعم، وما تبعها من تحولات الأسعار، وهى قرارات يتوقع أن تظهر نتائجها هذا العام والأعوام القادمة بشكل أكثر وضوحا. استمرار شريف إسماعيل أنهى الكثير من الشائعات، وحسم قضية حالته الصحية، وما تردد عن تقديمه استقالته.
الملحوظة الثانية انضمام سيدتين للحكومة، هما إيناس عبدالدايم لوزارة الثقافة، ورانيا المشاط للسياحة، لتحتل المرأة 6 مقاعد داخل مجلس الوزراء، بجانب غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى، وسحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، وهالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، ونبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وبذلك تحتل المرأة حوالى %20 من الحكومة لأول مرة، فى وزارات أساسية وليست هامشية.
فى التعديل الأخير، ربما كان هناك رهان على تغييرات فى وزارات خدمية، لكن استمرت سياسة نواب الوزير، فى الصحة والإسكان، استمرارا لتجارب سابقة، وفى التعديل الأخير تمثل وزارة التنمية المحلية واحدة من أهم الوزارات لكونها تتعلق بالتغيير الشامل الحقيقى، حيث المحليات هى الملعب الأساسى للإدارة، فيما يتعلق باللامركزية ومواجهة الفساد، وظلت منذ كانت وزارة الحكم المحلى فى الثمانينيات، مجرد وزارة ظل أو منفى انتقالى لوزراء الداخلية، لحين إحالتهم إلى المعاش، منذ اللواء النبوى إسماعيل، آخر وزير داخلية فى عهد الرئيس السادات، وتتالى على الوزارة وزراء مثل اللواء حسن أبوباشا وغيره.
لم تكن هناك أى صلاحيات لوزارة الحكم المحلى، فى وقت تحولت المحليات إلى غابة للبيروقراطية والفساد، تعشش فيه خفافيش الفساد والرشوة والنهب، وكانت مجالس المدن والأحياء مخازن للواسطة والترضيات الانتخابية للحزب الوطنى، وجحور الثعابين، والنتيجة نمو هائل للعشوائيات، وتضخم المخالفات، وتآكل الأرض الزراعية، وظلت المجالس الشعبية المحلية ظهيرا سياسيا معطلا للحزب الوطنى، وتغيرت أسماء الوزارة من دون تغيير فعلى فى مهامها، وبعد 25 يناير كانت هناك تصورات أن تبدأ عملية بناء السياسة والإدارة من المحليات وهو ما لم يحدث، وتظل إدارات المدن والأحياء والمحافظات التحدى الأكبر لأى تغيير، ويمثل الفساد والفوضى والغموض العقبة أمام التنمية أو التغيير.
كان الرهان على وزير التنمية المحلية السابق، الدكتور هشام الشريف، أنه مؤسس لمركز معلومات مجلس الوزراء، وأنه سوف يستخدم الأفكار الحديثة لتغيير المحليات جذريا، لكن خاب الرهان لأسباب ذاتية، وأيضا لأسباب موضوعية تتعلق ببنية المحليات ككيان عنكبوتى معقد، وتم اختيار اللواء أبوبكر الجندى، رئيس جهاز الإحصاء، الذى نجح فى تحديث التعداد وتوفير المعلومات والإحصاءات بشكل علمى، وربما هناك رهان على دمج خبراته المعلوماتية والإدارية فى محاولة إنجاز تغيير شامل فى المحليات، وهو أمر يتطلب قدرا من الجرأة لاختراق بنيان يبدو مستعصيا على الاختراق.
أيضا تمثل وزارة الثقافة أحد ركائز التنمية والتقدم، لأنها تتعلق بإدارة العقل وتعظيم القوة الناعمة، وقد تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى كيان بيروقراطى مثقل بالروتين بعيدا عن الثقافة، وربما يكون اختيار الدكتورة إيناس عبدالدايم، المدير السابق لدار الأوبرا، قفزة نوعية، فهى أول سيدة تتولى وزارة الثقافة، نجحت خلال السنوات الأخيرة فى إثبات كفاءتها ونسج علاقة جيدة مع المثقفين. الرهان على أن تنقل تنمية الثقافة إلى خارج القاهرة، وتمنح الحرية والدعم لمجالات مثل السينما والإبداع والثقافة الجماهيرية، ودعم المواهب الحقيقية، وإخراج الثقافة من أحضان التكلس والجمود، ومعها ربما تقف وزارة السياحة التى تعانى هى الأخرى من غياب الرؤية، والتوجه فى بلد كمصر يمكن للسياحة أن تكون مصدر دخل خمسين ضعف ما هو حادث.
لقد كانت التجربة كاشفة عن كفاءات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، وأيضا كاشفة عن الفرق بين النظرى والعملى فى الممارسة التكنوقراطية والسياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة