مات جمال عبدالناصر ولم نره، وجئنا بعده بزمن كانت الأحوال قد تغيرت والظروف قد تبدلت، فوجدنا حكايات كثيرة منها ما يزيد من فضله ومنها ما ينقص من قدره، قرأنا من دفعهم الحب إلى التعصب لأيامه وتاريخه فجعلوا من زمنه «جنة الله على الأرض» وسمعنا أيضا من أصابه الأذى فصوره لنا «شيطانا مريدا لا حدّ لشره»، لكن الجميع، هؤلاء وهؤلاء، لا ينكرون أن الشعب المصرى كان يحبه بصدق، وهذا ما حكاه لى على بخيت سلمان عمى الطيب الذى كان شاهدا على جنازة عبدالناصر.
يقول على بخيت سلمان، إنه يوم موت جمال عبدالناصر كان يقضى فترة تجنيده أخذوه مع رفاقه ليصطفوا على جانبى الطريق بينما تمر جنازة عبدالناصر، وكان دورهم الرئيسى هو أن يمنعوا الناس من الهجوم على النعش.
يقول على بخيت سلمان، فى 1 أكتوبر 1970 بقينا طوال اليوم واقفين فى باب الحديد، بينما الحشود تريد أن تمر لتلحق بجنازة ناصر، وظللنا طوال اليوم واقفين فى مكاننا لا نتحرك، ومن بين الجماهير الباكية اقتربت فتاة جميلة وقالت «أريد أن أمر».
يقول على بخيت سلمان، طبعا رفضت، قلت لها ممنوع، فصرخت فى وجهى «ايه اللى ممنوع.. هتمنعنى من جنازة أبويا»، فذهلت، كنت ولدا قادما من الصعيد ولم أتخيل أن تقف ابنة جمال عبدالناصر أمامى باكية، ولم أتخيل نفسى أمنعها من جنازة والدها وأن تسير وراء النعش الطيب، فأفسحت لها الطريق.
يقول على بخيت سلمان، الفتاة تحركت نحو 3 أمتار ثم سقطت مغشية عليها، جريت وحملتها، لم أتخيل أننى أحمل ابنة جمال عبدالناصر على كتفى، سلمتها لرجال الإسعاف وعدت لمكانى «فخورا» بما فعلت، وعندما سألنى الضابط «لما سمحت لها» قلت له «إنها ابنة جمال عبدالناصر» نظر إلى طويلا ثم قال «كلنا أبناء جمال عبدالناصر».
لا أعرف لماذا أحكى عن الموت بينما اليوم هو الذكرى الـ 100 لميلاد جمال عبدالناصر، ربما أردت أن أحكى عن الحب الذى كنه المصريون لزعيمهم الخالد الذى جعلهم يشعرون حقا بمقولة «لقد انتهى عصر الاستعباد» وصار الفقراء يجدون مكانا يليق بهم فى أرضهم، لذا أحبوه ومنحوه شهادة ميلاد حقيقية جعلته يعيش متحديا الزمن وكل زمن.. فكل عام وأنت طيب يا جمال عبدالناصر.