«فى البيت المبنى بحجر الجير/ والصبر وعرق الطين/ ومسقوف بخوص الناس وجريد النخل/ وورق الموز/ عيل عنده اتناشر حول وشهور وأيام/ متكفيش لزرعة قيدى تطيب/ وعاوز يكبر».. من مكانه فى قلب القاهرة يحاول ياسر أبو جامع فى ديوانه «حد شبهى» الصادر عن دار أوراق والحاصل على جائزة أحمد فؤاد نجم هذا العام، أن يكتب سيرته أو سيرة شخص يشبهه تماما فى الصعيد القديم، حيث الرغبة القوية فى البلوغ مبلغ الرجال ليكون ظهرا وسندا لأسرته الفقيرة وفى الانتقال بهم خطوة إلى الأمام فى سكة الحياة.
«الجدة/ عقل البيت الموزون/ ماتت زعلانة/ علشان بتها وآخر نبتة أرضها/ دكتور الوحدة قالها: «أرضك بور».. يؤمن ياسر أبوجامع أن الشعر وحده القادر على اصطياد اللحظات الفارقة فى الحياة وعلى تأملها وتوثيقها، ويعرف أكثر أن الزمن تغير وتبدل وأن السمات الإنسانية التى كانت تميز الماضى انتهت تقريبا، لذا شغل نفسه بالكتابة عنها «شعرًا» فالجدة هنا تموت حزنا من أجل ابنتها، وهو ما يكاد يدخل فى إطار الحكايات الفلكلورية فى زمننا الراهن.
«كيف قدر الموت يتطلع فى عيونه الجنة/ المليانة عمار/ وما يرجعش بكان ما جه؟/ كيف قدر الموت يبص فى قلبه/ فى غيطان الأمل/ فى وشه اللى منور بس/ عشان الفرح قريب والشوق غلاب/ كيف قدر الموت يجسر؟» هنا يتوقف الشاعر أمام شيئين، الأول هو الذكريات المرتبطة بموت أحد الأصدقاء قبل أيام قليلة من «عرسه» مخلفاً قدرًا كبيراً من الحزن فى القصيدة وفى الإحساس بالعبث وبهوان الأشياء، والأمر الثانى الذى انشغل به الشاعر هو «الموت» فى حد ذاته، ذلك الذى لا يعرف القوانين ولا يلتزم بأى شىء، لا يهتم بفرح أحد ولا بحزنه، كأنه يشاركنا «لعبة الخراب» التى كان يلعبها الأطفال فى الصعيد التى تحمل القصيدة اسمها التى مارسها الموت بشكل أكثر قسوة مخلفا الكآبة والخوف والشعر.
«آه يابا/ لو تعرف على كد ما أنا صغير فى السن/ لكن خابر كد إيه أنت تعبان/ كد إيه أنت غلبان».. فى ديوان «حد شبهى» ومن خلال لغة خاصة يملكها ياسر أبوجامع، حيث طريقة بناء القصيدة بشكل «صعيدى» نجد رثاء لكل شىء، فالشاعر، كما قلنا، حاول كتابة «سيرته»، لكنه لم يجد سوى الحزن والموت والخوف والشقاء والتعب والرغبة فى المقاومة وتحدى الظروف، بينما كان الحب يظهر على استحياء، والأصدقاء هم السند الوحيد فى الرحلة، وكانت الوسيلة الوحيدة للتعبير عن كل ذلك هى «الشعر» فكتب «حد شبهى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة