كيف نواجه نحن المواطنين عقيدة الفساد والإفساد المنتشرة فى المجتمع؟ إذا أردنا إجابة واضحة وصريحة وفعالة، فعلينا جميعا أن نبادر بحملات توعية بعدم منح الرشاوى الصغيرة لأى موظف شباك يتعامل مع الجمهور، بل وعلينا الإبلاغ عن أى جهة حكومية تجرى فيها التعاملات على هذا النحو، لنتحلى بقليل من الشجاعة ونواجه جميعا أنا وأنت وكل من يقرأ هذه الكلمات كل الممارسات غير القانونية التى نراها فى تعاملاتنا اليومية، وليقف كل منا لحظة مع نفسه وليقل: من اليوم لن أدفع رشوة لموظف ولن أخالف القانون من كسر إشارة المرور وحتى شراء قليل من الوقت لأقضى مصالحى بسرعة، لا، سأقضى مصالحى بالقانون وبسرعة، لأن الموظف المسؤول، عليه أن يؤدى واجبه فى خدمتى وبالسرعة المطلوبة وعندما يعلم أننى سأشكوه إلى الرقابة الإدارية سيلتزم ولن يضع العقبات أمامى أو يعطل قضاء مصلحتى.
لنسأل ونعرف جميعا عن الخطوط الساخنة للرقابة الإدارية أو سائر الأجهزة الرقابية الأخرى ونعلنها ونشيرها على مواقع التواصل الاجتماعى، وليرسل كل مواطن شكواه ومظلمته بالتفصيل وبالمستندات إلى الأجهزة المعنية، لمساعدتها فى ضبط الأداء الحكومى وردع الفساد ووقف نزيف موارد الشعب، ولتكن هذه حملتنا التفاعلية المستمرة لمواجهة الانحراف المجتمعى الذى نعرفه جميعا ونتواطأ عليه للأسف الشديد عندما يتعلق الأمر بمصالحنا الشخصية.
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم، ونحن لن نتطور إلى الأفضل ولن نحقق التنمية المنشودة ولن نرى التحسن الذى نرجوه فى مصالحنا الحكومية وفى الخدمات التى يقدمها القطاع الخاص أيضا، بدون انتشار اليقين المجتمعى بأن إصلاح الفساد يبدأ بنا نحن المواطنين وليس بالأجهزة الرقابية، لأن الفساد أشبه بالأوانى المستطرقة، مرتبط بالقطاع الحكومى والقطاع الخاص والقطاع الأهلى عبر شبكة من المفاهيم الخاطئة الرائجة التى أساسها المواطن، وتخيلوا مواطنا وقف فى وسط مصلحة حكومية وقال بعلو صوته فى مواجهة موظفين مرتشين، أنتم لا تعملون إلا بالرشوة وأنا لن أسير إلا بالقانون وسأبلغ فيكم الرقابة الإدارية، ثم اتصل تلفونيا بالرقم الساخن المعلن وهو فى وسط المصلحة ووسط المواطنين الراغبين فى قضاء مصالحهم بالقانون ،لكنهم يظنون أنهم مضطرون إلى الانصياع لمطالب الفاسدين، ماذا سيحدث فى رأيكم فى تلك الجهة الحكومية؟ سيلتف عدد من المواطنين حول هذا الرجل الشجاع وسيزداد العدد تدريجيا وسيهرع المدير المسؤول إلى احتواء الموقف بتهدئة المواطن الشجاع وحل مشكلته وعدم الوصول بالأمور إلى الشكوى العامة، لكنه فى هذه الحالة سيكتشف أن الرجل الشجاع أصبح عشرة وعشرين وسيكون أمامه حل من اثنين، إما تعلم الدرس بسرعة ومراقبة أداء الموظفين تحت إدارته وقضاء مصالح الناس على النحو المطلوب بالقانون وبالسرعة الواجبة، أو فتح تحقيق فى الواقعة برمتها قبل وصول جهات التحقيق المستقلة التى تكشف الجديد والقديم وتحاسب المخطئ والمهمل والفاسد والمقصر.
هذا ما نستطيع نحن المواطنين أن نفعله، أن نقاوم الفساد فى الجهات التى نتعامل معها، وأن نراعى الله فى كل معاملاتنا، وأن نحاسب أنفسنا أيضا بالمعيار نفسه، لأن كلا منا مواطن ومسؤول فى الوقت نفسه، مواطن عندما يقضى مصالحه، ولكنه مسؤول فى الجهة التى يعمل بها سواء كانت حكومية أو القطاع الخاص، ولنتذكر دائما أن مواجهة الفساد مسؤوليتنا جميعا، نحن المواطنين مسؤولون عن انتشاره وعلينا مواجهته فى أنفسنا ودوائرنا التى نتعامل فيها حتى ينصلح حال البلد.