لا يكاد العالم يهدأ من متابعة أخبار عملة البيتكوين الافتراضية، حتى يستيقظ على خبر ارتفاع جنونى فى أسعاره أو انهيار جديد، يثير مزيد من الجدل حول هذه العلة التى تخاف أغلب دول العالم من الاعتراف بها حتى الآن بل وتحاصرها، ولكن ليس كل شىء هو شر، فقد يكون وراؤها ما يمكن أن يستفيد منه الاقتصاد.
من الصحيح أن بيتكوين هى عملة رقمية افتراضية غير ملموسة، ولكن كيف نشأت وكيف يتم تداولها، واقع الأمر أن هذه العلة هى مجرد تطبيق لتقنية رقمية بالغة الأهمية هى تقنية الـBlockchain، وهى عبارة عن سجل رقمى لكافة المعاملات التى يقوم بها متعاملو بيتكوين فى العالم، وتسجل لحظيا بكل دقة دون أن يتمكن أن خص من التلاعب فى هذه البيانات أو تغييرها، وهى لا تخضع لرقابة جهة بعينها وإنا هى موزعة على أجهزة ملايين المستخدمين حول العالم، وهو ما يمنحها الثقة والأمان.
ربما تجد هذا الحديث صعب الإدراك من الوهلة الأولى، ولكنها بلا شك الثورة التكنولوجية القادمة التى تحمل العالم على مستقبل الاقتصاد الرقمى، ولكن كيف يمكن أن يستفيد الاقتصاد المصرى من هذه التكنولوجيا الجديدة؟
هذا ما ناقشته جلسة نقاشية نظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية الخاصة اليوم، الخميس، حول تأثير تكنولوجيا البلوكتشين على الاقتصاد المصرى، فهى ليست مجرد وسيلة لتداول وتسجيل معاملات البيتكوين والعملات الافتراضية ولكنها قد تكون بوابة واسعة للعديد من التطبيقات التى تحل مشاكل كثيرة يعانى منها الاقتصاد المصرى.
إسلام ذكرى المدير التنفيذى لمركز إدارة وتحليل البيانات بالبنك التجارى الدولى، أوضح أن هناك فرق بين الـBlockchain وعملة البيتكوين الافتراضية، فبيتكوين هى مجرد تطبيق للنظام، أما نظام Blockchain نفسه فهو ببساطة عبارة عن نظام للتسوية فى جيب كل واحد منا، يمكن الاستفادة منه فى كثير من التطبيقات ذات الأثر الإيجابى على الاقتصاد، مثل التطبيقات المالية والرعاية الصحية وتوزيع الدعم، وغيرها.
وقال ذكرى أن البنك التجارى الدولى بدأ الاستثمار فى هذه التكنولوجيا اعتبارا من عام 2014، ونحن لسنا متأخرين على الإطلاق بل نلاحق الكيانات الكبرى التى تفعل ذلك الآن، لافتا إلى أن الصناعة المصرفية فى العالم بدأت الاستثمار فى هذا المجال اعتبارا من يناير 2015.
وأضاف ذكرى أن هذه التكنولوجيا تنقل العالم من مرحلة الاقتصاد القائم على مشاركة المعلومة، إلى الاقتصاد القائم على مشاركة القيمة، فيمكن من خلال هذه السجلات الرقمية نقل أى أصول بين الأفراد وبعضها دون وسيط، وستمكن هذه التكنولوجيا من إلغاء الوساطة ذات التكاليف المرتفعة، وأن يتم التحويل للقيمة فى نفس الوقت، كما أن لهذا النظام قدرة واسعة.
وأوضحت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى للمركز، أن الـBlockchain هى عبارة عن سجل رقمى تسجل فيه كافة التحويلات والمعاملات، ولكن فى واقع الأمر موزع على مجموعات كبيرة من الأفراد والجهات، وهوما يمنحه الثقة والحماية والحفاظ على المعلومات دون أن يكون هناك رقيب على المنظومة بسبب انتشارها الواسع، مشيرة إلى اهتمام المركز بموضوع الاقتصاد الرقمى من خلال سلسلة من الندوات واللقاءات التى ينفذها المركز على مدار العام الحالى.
هل تستخدم الحكومة تكنولوجيا صناعة البيتكوين فى تطبيق الدعم والتأمين الصحى؟
وأكد الدكتور أشرف عبد الوهاب كبير الخبراء الفنيين لمبادرات مصر وشمال أفريقيا بشركة مايكروسوفت، أن هناك العديد من التطبيقات التى يمكن الاستفادة بها من خلال هذه التكنولوجيا الجديدة، موضحا أن أى نشاط يتم فى المجتمع يمكن أن يسجل على هذا النظام، ضاربا المثل بقانون التأمين الصحى الجديد الذى يمكن تطبيقه من خلال هذه التكنولوجيا من مراقبة كافة الخدمات الصحية المقدمة بصورة رقمية لحظية.
وضرب مثلا آخر لتطبيق هذه التكنولوجيا على حال مصنع لمنتجات اللبان يحصل على الألبان من صغار المنتجين ويتم نقله إلى المصانع من خلال سيارات، فيمكن عن طريق هذه المنظومة أن يتم متابعة تحرك كل سيارة وقياس درجة حرارتها، وفى حالة وصول السيارات المحملة بالألبان إلى المصنع بدرجة حرارة أقل فهنا يحصل المصنع عن الألبان الطازجة، ولكن فى حالة وصولها بدرجة حرارة أعلى من اللازم فهذا يعنى أن هناك مشكلة بحمولة هذه السيارة وأن اللبن تعرض للتلف، كما يمكن للعديد من الشركات الاستعانة بهذه المنظومة لعمل دورة مستندية، وقال: "يمكن عمل بلوك تشين لكل شيء طالما لدى المعلومات عن المستهلكين.
الدعم أيضا ليس بعيدا عن تطبيقات هذه التكنولوجيا الجديدة، وهو ما أكده الخبيرين، حيث يمكن الاستفادة مها فى قيام الحكومة ببناء منظومة للدعم يمكن من خلالها التعرف على أنماط الاستهلاك والإنفاق التى يقوم بها جميع من هم داخل هذه المنظومة، يتضح منها حقيقة الأشخاص المستحقين للدعم من عدمه وتمكن الحكومة من ترشيد الإنفاق، بل ويمكن أيضا استخدامها فى تحسين الأداء الضريبى من خلال بيان كافة المعاملات المالية فى المجتمع بداخل منظومة تؤسسها الحكومة وتضع قواعدها.
ما الذى تحتاجه مصر لتطبيق تكنولوجيا البلوكتشين؟
ولأن الموضوع جديد تماما، فهناك الكثير من الخطوات التى تحتاج مصر البدء فيها حتى تصل بعد سنوات لتطبيقات تضع حلولا حقيقية لمشاكل يعانى منها الاقتصاد المصرى، ويمكنه أن تحسن من حياة الناس.
وقال الدكتور عبد الوهاب إن مصر بها العديد من القطاعات التى تتبنى عملية التحول الرقمى، خاصة الجهاز القومى للتحول الرقمى التابع لرئيس الوزراء، ولكن لا يمكن عمل تحول رقمى دون وجود مجتمع رقمى، مطالبا بضرورة وجود إطار من الدولة لدراسة هذا الموضوع ووضع خطة للأنشطة المستهدفة ودراسة كيفية نجاحه، وقد نصل فى النهاية إلى وجود الدولة لكها على شبكة بلوك تشين واحدة.
وأضاف إسلام ذكرى أن مصر تحتاج التركيز على التعليم ونشر الثقافة الرقمية بين الشباب، لأن تقريب المجتمع من هذه التكنولوجيا يقلل من تكلفتها، مشيرا إلى ضرورة تحديد الدولة لمشاكلها بوضوح واختيار واحدة نبدأ بها التجربة قد تكون مشكلة الدعم مثلا أو الرعاية الصحية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة