أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن. وتتطرق الموسوعة إلى مرحلة استرداد إسرائيل لدورها الاستراتيجى «1973 - 1981» بانتهاء حرب أكتوبر1973 وحتى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس 1979، حيث انتقل وضع إسرائيل فى السياسة الأمريكية من حدّ أقصى غير معقول إلى حد أدنى غير متوقع، ليعاود الصعود خطوة خطوة، لكن دون أن يصل فى نهاية المرحلة لمستواه الأصلى، وتتكون هذه المرحلة من فترتَين.
الفترة الأولى: إعادة النظر فى وضع إسرائيل الاستراتيجى «1973-1976»:
- كان وضع إسرائيل قبل حرب أكتوبر 1973، يفترض أنها لن تضطر فى المستقبل المنظور لخوض حرب أخرى مثل حرب يونيو عام 1967 لسببَين هما: التفوق العسكرى الإسرائيلى الذى يردع العرب عن السعى لشن معركة لاسترداد أرضهم، علاوة على التفوق الإسرائيلى المتفق مع الأوضاع الإقليمية التى تلت حرب عام 1967. ب. وعندما نشبت حرب أكتوبر 1973، وعلى الرغم من اكتشاف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أن النيات العربية لشن الحرب أصبحت وشيكة فقد كان للإدارة الأمريكية وإسرائيل موقف يعتمد على قوة إسرائيل تمثل فى الآتى:
«1» عدم مبادرة إسرائيل بضربة إجهاض عند اكتشافها يوم 5 أكتوبر 1973، أن العمل العسكرى أصبح وشيكاً، بل عمدت إلى استشارة واشنطن بشأن عدم تحمل مسؤولية البدء بالاشتباك.
«2» إدراك وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر أهمية توقف المعارك بعد أن تسترد إسرائيل المكاسب العربية الأولى، وقبل أن تنزل بخصومها هزيمة كاملة أى عدم السماح لإسرائيل بأكثر من انتصار محدود، وهو ما يعنى أن أمريكا فتحت خزائن أسرار العالم للعد الإسرائيلى بعد أن نجح الجيش المصرى فى سحق العدو الإسرائيلى فى حرب 6 أكتوبر 73.
«3» مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الأول بتقديم طائرات «إف - 4» وعمل جسر جوى لإمداد إسرائيل بالسلاح. ج. ويمكن الخروج من هذه الفترة بالآتى:
«1» إن إسرائيل وجدت نفسها لأول مرة منذ نشوئها فى وضع هش إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، فالحكومة الإسرائيلية لم تتصرف حين طلبت السلاح بمثل هذا الإلحاح، تصرف الشريك الاستراتيجى، بل تصرف الخائف على بقائه.
«2» لم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية أن تساعد إسرائيل على هذا القدر من الاتساع، لأن إسرائيل تقدم لها خدمات، بل إن واشنطن هى التى قدمت خدماتها لإسرائيل وكأن ثمة معاهدة ضمان تربطها بها.
«3» إن الجسر الجوى الأمريكى لم يكن تدخلاً أمريكياً مباشراً يشتمل على مشاركة جنود أمريكيين، بل ربما كان له تأثير حاسم فى أداء الجيش الإسرائيلى، ولا سيما رفع معنوياته، ووصل حجم المجهود الجوى إلى نقل نحو 28 ألف طن من المعدات والأسلحة بطائرات النقل الأمريكية العملاقة، وتشمل هذه المعدات دبابات الباتون وطائرات فانتوم إف– 4 وسكاى هوك وغيرها، وذلك منذ 14 أكتوبر1973، كما وصل حجم الجسر البحرى المتزامن مع الجسر الجوى إلى نقْل أكثر من 33 ألف طن من المعدات والأسلحة.
«4» اتسم التحرك الأمريكى خلال فترة إيقاف إطلاق النيران، بالممارسات المتوازنة الذى ظهر واضحاً فى الوساطة الأمريكية فى اتفاقات فك الاشتباك على الجبهتَين المصرية والسورية، واستغلال إسرائيل لهذه الوساطة فى توقيع مذكرة التعاون عام 1975، التى تلتزم فيها الولايات المتحدة الأمريكية ببقاء إسرائيل وأمنها.
وهنا ننتقل إلى المعايير الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد حرب أكتوبر 1973 :
«1» وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بعد حرب أكتوبر 1973، أمام ضرورة جديدة تقتضى تهيئة الظروف اللازمة للحيلولة دون نشوب حرب عربية إسرائيلية كبرى، واستقطاب منطقة الشرق الأوسط، علاوة على وجود صلة بين النزاع الشرق أوسطى وبين النفط بما يعنى أن واشنطن أمست لا تعتمد أو تتظاهر بالاعتماد على قوة إسرائيل، بل لا بدّ لها أن تحيد العوامل التى تضر بمصالحها وذلك باعتماد سياسة جديدة تأخذ فى حسبانها المطالب العربية.
«2» إن الإبقاء على تفوق إسرائيل ونوعية العلاقات الإسرائيلية الأمريكية يفيدان واشنطن فى البرهنة للعرب، على أن خيارهم العسكرى سيكون بالغ التكلفة، وبأن الاعتدال وتواضع المطالب سيكونان أجدى لهم، ولذا فإن السياسة الأمريكية الجديدة سترسم بين أخذ المطالب العربية فى الحسبان، مع ضرورة المحافظة على قوة إسرائيل.. «يتبع».