«لم أكن مريضا من قبل»، كانت هذه مقولة أحد أصحاب المستشفيات الكبرى، عندما أصيب بالمرض فجأة، ووجد نفسه يوضع فى غرفة مزدوجة مع مريض آخر، بالرغم من أنه يمتلك المستشفى، وقد التزم العاملون بتعليمات صاحب المستشفى، وقام بدوره العبقرى جاك نيكلسون، فى الفيلم الشهير قائمة الدلو «The Bucket List». كان صاحب المستشفيات هدد قبل مرضه بفصل كل العاملين، ما لم يلتزموا بتعليماته، أن يوضع مريضان فى الغرفة، ولا استثناءات، ثم مرض المالك فوضعوه فى غرفة مزدوجة، ولما حاول الاعتراض أخبروه بأنه هو شخصيا من وضع هذه التعليمات.
بالرغم من أن هذه ليست قضية الفيلم الذى يجمع بين الكوميدى والإنسانى، فإن هذه النقطة تعالج قضية تصور الطبيب أو صاحب المستشفى أنه لن يوضع فى مكان المريض، أو يتعرض لحادث يجعله بحاجة إلى الإنسانية أكثر من المال.
تذكرت هذا بمناسبة ما جرى مع عدد من المستشفيات الخاصة، التى تم إغلاقها مؤخرا لرفضها تنفيذ قرار رئيس الوزراء بعلاج أى مريض طوارئ خلال 48 ساعة، خاصة الحالات الحرجة. أحد المستشفيات الاستثمارية الكبرى تم إغلاقه عقابا على تعامله مع مريض دخل إلى الطوارئ مصابا ببتر، ويحتاج تدخلا عاجلا، واشترط المستشفى على أهله التوقيع على تعهد بسداد مبلغ ضخم، الرجل وقع وتقدم بشكوى أن المستشفى الاستثمارى الكبير خالف قرار علاج مريض الطوارئ خلال 48 ساعة بالمجان.
بالطبع، فإن العاملين فى المستشفى الاستثمارى ينفذون تعليمات وضعها أصحاب رأس المال، ولم يتصور أى منهم أن يتعرض لحادث، يكون فيه بحاجة لموقف إنقاذ، اللافت أن هناك انقساما حول القرار، حيث دافع البعض ومنهم أطباء عن قرار المستشفى، لأن العملية التى أجريت للمريض تكلفت كثيرا، وعليه أن يسدد الثمن، لكن الرد كان: وإذا كان المريض لا يمتلك مالا فهل يفترض أن يموت؟
المهم أن وزارة الصحة قالت إن قرار علاج أول 48 ساعة طوارئ بالمجان ملزم لكل المستشفيات الخاصة، وقال رئيس إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة: إن الوزارة تلقت 2000 شكوى من مرضى رفضت مستشفيات خاصة علاجهم بالطوارئ، وبعضهم مات لعدم تلقى العلاج.
وزير الصحة أشار إلى أن ما يقرب من 10 ملايين حالة طارئة تتوجه للمستشفيات الخاصة والحكومية سنويًا، وتم إغلاق 7 مستشفيات كبيرة بسبب رفضها تنفيذ القرار أو الالتفاف إليه.
بالطبع مثل هذا القرار لم يكن يطبق، وهناك حالات كثيرة لمصابى حوادث ماتوا أو عجزوا عن تلقى العلاج لرفض المستشفيات أو الالتفاف إلى القرار، بادعاء أنه لا يوجد مكان، ربما لأن أصحابها لا يتوقعون أن يحتاجوا للطوارئ.
الطب مهنة تتعلق بحياة بشر، ولا يمكن تصور أن يترك مصاب ينزف أو مبتور حالته خطيرة، لكونه لا يملك مالا أو أنه غير قادر على الحركة والشكوى، وهناك من يجادل فى الأمر، ويدافع عن هذا السلوك، ربما لا يتصور أى منهم أن يمرض ويحتاج إلى الطوارئ الطبية.
الأمر بحاجة إلى رقابة للتأكد من تطبيق القرار، وأيضا بحاجة إلى إعادة تدريس قسم أبوقراط لبعض من يمتهنون مهنة الطب، ولا يفرقون بينها وبين أى نشاط آخر. الموضوع يتعلق بسلوك مثلما يتعلق بقواعد إنسانية تغيب وسط جدل المال والمبادئ.