من جديد تثبت الرقابة الإدارية أن اليد العليا فى الدولة المصرية هو القانون، وليس هناك أحد مهما كان فوق المحاسبة، الأمر الذى يظهر كل يوم فيما تقوم به من تعقب للفساد والتى كان آخرها إلقاء القبض على محافظ المنوفية الدكتور هشام عبد الباسط والذى تم اتهامه فى قضايا فساد لتسهيل الاستيلاء على أراضى الدولة مقابل رشوة مالية.
وكانت الرقابة الإدارية قد وجهت خلال العامين الماضيين ضربات متتالية موجعة لمنظومة الفساد الإدارى فى جمهورية مصر العربية، إذ تم الإعلان عن مئات الضبطيات بمبالغ ضخمة تجاوز بعضها المائة مليون جنيه فى كل قضية، وأشهرها قضية اللبان، وقضية الموظفة بإحدى الإدارات التعليمية التى تقاضت وحدها ما يقارب الـمائة مليون جنيه رشوة، وتنوعت القصص والمتهمون بكافة مؤسسات وأجهزة الدولة.
وتأتى قضية المحافظ المرتشى لتكون درسا جديدا لكل من تسول له نفسه التلاعب بأقوات المصريين والاستيلاء على أموال الشعب، وتؤكد أن الدولة المصرية عازمة على الخلاص من أيدى كل من يجرم فى حق الشعب والوطن، وإن النظام جاد فى جهود مكافحة الفساد، وإن كان بهذا الحجم المرعب الذى سبب صدمة لدى قطاع عريض من المصريين، الذين يعانون من أجل رفعة الوطن والإرتقاء بالدولة المصرية إلى مصاف الدول المتقدمة.
ومع كل تقديرى للجهد المحمود الذى تبذله الرقابة الإدارية، وهى أحد أهم أذرع مكافحة الفساد، لكن تأمل حجم القضايا والضبطيات التى قامت بها، يعيد إحياء فكرة إنشاء مظلة موحدة لجهود مكافحة الفساد، وسن قوانين عاجلة لمعاونة رجال الدولة فى هذه المهمة الصعبة، والتى تحتاج منهجية دقيقة وخطة محكمة لمحاصرة الفساد والذى لا يقف عند حد السرقة من المال العام، والرشوة، ولكن يمتد لإهدار وسوء إدارة المال العام وهى جريمة لا تقل فداحة عن الفساد .
جميعنا يعلم أن على الرغم من أن مكافحة سلوكيات وممارسات الفساد داخل الجهاز الإدارى للدولة تبدو فى ظاهرها قانونية وشرعية لكنها مع ذلك فإن انتشار الفساد فى حد ذاته يأتى وليدا لخلل فى اللوائح والقوانين العامة لكل مؤسسة، وأبسطها ما يعرف بتعبير " تقفيل الميزانية " الشائع الاستخدام داخل وزارات ودواوين الحكومة، والذى يعنى ببساطة أن هناك فائض ميزانية يتيح للمسئولين استخدامه فى إحلال وتبديل ما لا يستحق التبديل لينفق ما خصص له من ميزانية خلال العام المالى حتى لا يتم تقليص ميزانية العام المقبل.
لا شك أن خطوات الرقابة الإدارية على طريق تحويل جهود مكافحة الفساد إلى آلية ممنهجة وصارمة ولها اليد العليا تستحق الثناء والإشادة، إذ يحتاج المواطنون إلى الاطمئنان والشعور بأن هناك جهة قادرة على التصدى لقضايا الفساد وسرقة المال العام التى صارت مع الأسف منهجا، امتد ليصل إلى جذور التفكير الاقتصادى فى كافة مؤسسات الدولة، بحيث تحولت هذه المؤسسات فى كثير من الأحيان لمؤسسات معيقة لتأدية وظائفها لا مؤسسات لتأدية أدوار ما فى المجتمع.
إن محاربة الفساد فى الدولة المصرية معركة أخطر وأصعب من معركة الإصلاح التى تكبد المصريون من أجله الكثير من أقواتهم وهم راضون وعازمون على الاستمرار ، وأنه يقوض كافة محاولات الدولة لوقف النزيف الاقتصادى والمضى قدما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة