بعد ساعات قليلة من منتصف ليلة 28 يناير 2011، كنت أنا والصديق العزيز وائل السمرى على بعد خطوات قليلة من مبنى الحزب الوطنى، شاهدنا أول السنة النيران المشتعلة، دقت فى قلوبنا الفرحة الفطرية أن متغيرا جديدا فى البلاد ويوما جديدا ينتظر مصر المحروسة.
على أرصفة الطريق، كانت تتناثر «الكروت الشخصية» للمهندس أحمد عز أمين التنظيم، مسكت قليلا منها وبصوت عال قلت لوائل السمرى: «افرح يا وائل.. خلاص عز على الأرض»، فى المقابل كانت مشاعر الفرحة التى تغمرنا يواجهها أفعال فى غاية الغرابة لم نكن أبدا نصدقها، المئات من المواطنين يخرجون من مبنى الحزب الوطنى حاملين أجهزة كمبيوتر وشاشات وحقائب وكراسى.. بدأت مع السمرى إيقاف الشباب، على قدر ما نستطيع.. مستخدمين عبارات: «لا يا جماعة ما ينفعش كده.. الأثاث اللى جوا المبنى دا بتاعنا كلنا بتاع البلد مش بتاع الحزب الوطنى ومبارك».. حملنا عددا من الكراسى الجلدية وأجهزة الكمبيوتر ونقلناها إلى المتحف المصرى، مقر تمركز قوات الجيش وقتها، ولكن المئات من الشباب كانوا فى طريقهم لمنازلهم أعلى كوبرى أكتوبر حاملين كل شىء بعد سرقته من المبنى، هذا المشهد بدا عارضا لى فى ذكرياتى عن ثورة يناير، إذا ما أضفنا له ما جرى فى مول «أركاديا»، أو ما جرى فى عدة محلات تجارية وسلاسل تجارية تعرضت للسرقة من قبل مواطنين، قبل أن تنتشر اللجان الشعبية فيما بعد. الحقيقة أننى بعد 5 سنوات من ثورة يناير أكاد أقف على عدة نتائج أواجه بها نفسى قبل أن أطرحها عليكم:
- ثورة يناير لم تكن ثورة سلمية خالصة، شابها مزيد من العنف والسرقة من أفراد وشباب حسبوا أنفسهم عليها.
- لم تنجح الثورة، فقط لأن كل أم وأب وابن وبنت نزلت وشاركت فى المظاهرات بالشوارع، ولكن نجحت بالأساس لأن جهاز الدولة تعامل بالخطأ معها، ولو كان يمتلك ذكاء بنسبة %10 لاجتازها.
- الثورة فى أغلب الأوقات، ليست هى الحل الأمثل لبعض الشعوب والبلاد، الإجراءات الإصلاحية قد تكون هى الأنسب.
- عشرات من شباب الثورة وقعوا فى أخطاء تحملها جيل كامل، أسسوا لمبدأ الإقصاء، فانقلب عليهم بعد ذلك. شرعوا فى التواصل مع منظمات أجنبية مشروعة أو غير مشروعة، فكانت النتيجة أن أصبح كل الشباب عملاء، ويتواصلون مع منظمات بخلفيات استخباراتية.
- للأسف الشديد أيضا، بعض من نماذج شباب يناير لم ينجحوا فى المهام التنفيذية التى أوكلت إليهم، فترتب عليه أن كل شباب يناير غير مؤهلين لمناصب تنفيذية، ولا يزالون يقفون عند شعارات الميدان فقط.
- الشعب المصرى كان الرقم الأهم فى معادلة يناير، والأقل فى الاستفادة من يناير.
- شهداء يناير، هم الأطهر فى هذه الأمة، رحلوا عنا بأمل لكل منهم أن تكون مصرنا بخير، ولكننا ما زلنا نتخبط حتى الآن.
- للأسف الشديد، تأكد لى بعد 5 سنوات أن السياسة «ما بتوكلش عيش»، وأن الناشط الثورى الحقيقى هو من يعمل على نفسه فى مجاله لا أن يبقى حاملا للقب الناشط، ويعيد تذكير نفسه به مع كل ذكرى، ولو كان كل شاب بدأ فى مشروع خيرى أو تنموى، لكانت تغيرت نظرتنا لأنفسنا ونظرة المجتمع لنا.
- أخيرا.. يناير ليست ثورة إصلاح، بقدر ما كانت فكرة.. فكرة لمحو آثار الماضى، لصناعة المستقبل، لتغير أنفسنا قبل مطالبتنا بتغيير الآخر.
- وتبقى كلمة عمر سليمان.. «نحن شعب غير مؤهل للديمقراطية».. ربنا يرحم شهداء يناير.. رحم الله الورد اللى فتح فى جناين مصر.
هذا المقال قديم، كتبته قبل عامين، وتحديدا فى 25 يناير 2016، ولا تزال الثورة الطاهرة فى محلها، كما هى لم تتقدم، كثير من المدعين يتحدثون باسمها، مظلومة فى التاريخ، لم يكتب سيرتها أحد، وكل من سرد أحداثها، خدم به مصالحه أو تياره السياسى.