التاريخ المصرى وطوال عصوره المختلفة، يصرخ ويؤكد أن الأطراف دائما تحدد ملامح اتجاه بوصلة الاستقرار السياسى، وأثاره الأمنية، وأن العاصمة ما هى إلا مقر لقصور السلطة والحكم بأشكاله المختلفة!
والذين يعتبرون أنفسهم نخبا سياسية وحزبية، بجانب نشطاء تلقى التمويلات، ومناضلى الكيبورد على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» يعتقدون أن وسط القاهرة بفنادقها الدرجة الثالثة، ومقاهيها، تتحكم فى اتجاه البوصلة السياسية فى مصر، ومن يريد أن يكون زعيما سياسيا، ومرشحا لمنصب رئيس الجمهورية، عليه فقط أن يؤسس حزبا، ويستأجر مقرا عبارة عن غرفتين، ويكتب «يافطة» باسم الحزب يعلقها فى واجهة مدخل المقر!!
وكان فى الماضى، وتحديدا قبل سرطان 25 يناير 2011 تصدر الأحزاب صحف ورقية، ويعطى قياداتها الضوء الأخضر لتنظيم حملات ابتزاز صحفية لكل رجال الأعمال المنتمين للحزب الوطنى، والحصول على أموال كبيرة فى مقابل سكوتهم على فساد صفقاتهم وممارساتهم غير القانونية، وبعد سرطان 25 يناير اختفت الصحف الورقية وتم الاستعاضة عنها بتأسيس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» وتحولت إلى منصات هدفها جمع عدد كبير من المتابعين والمعجبين، وكلما زاد عدد «الشير» والإعجاب والتعليقات لبوستاتهم على «فيس بوك» وكلما زاد «الريتويت» لتغريداتهم على «تويتر» يصبح السياسى أو الحزبى أو الناشط مشهورا ومؤثرا..!!
ويعتقد هذا السياسى أو ذاك أنه لا ينقصه لخوض الانتخابات الرئاسية، بعد الترويج من خلال «البوستات والتويتات»، سوى تأجير قاعة بأحد فنادق وسط القاهرة، وتوجيه الدعوة لعدد من خصوم النظام السياسى القائم، وعدد كبير من وسائل الإعلام المختلفة، ليعلن عن «نيته» خوض الانتخابات بعد استيفاء الشروط القانونية!!
وما أن يفشل هذا السياسى، من عينة خالد على، رئيس حزب «العيش والحريّة» تحت التأسيس، من استيفاء شروط الترشح، سواء بجمع توكيلات تزكية والبالغ عددها 25 ألف توكيل من 15 محافظة، بحد أدنى 1000 توكيل عن المحافظة الواحدة، أو تزكية 20 نائبا من نواب البرلمان، فإنه يعيد الكرة، ويقرر عقد مؤتمر صحفى للإعلان عن الانسحاب عن «نيته» خوض الانتخابات الرئاسية، وبالطبع يستخرج من مخزون أعذاره ومبرراته، نفس الاكليشيهات القديمة، من أن النظام يضيق عليه، والأمن يلاحقه، وسرقة عدد من التوكيلات، وتعاطفا مع سامى عنان، وما حدث معه!!
ونلاحظ أن ممارسة الديمقراطية فى مصر، تختلف جذريا عن أى ديمقراطية تطبق فى كل دول العالم، فالديمقراطيون المصريون يريدون من الدولة والشعب المصرى أن يقدموا لهم السلطة على طبق من «ماس» ومغلف ومطرز بكل أنواع الأحجار الكريمة، وفى حفلة من حفلات ألف ليلة وليلة، ثم يقرر السياسى الديموقراطى عما إذا كان سيقبل هدية السلطة من عدمه..!!
ولا نعرف فى أى دولة تُمارس فيها الديمقراطية، يعرف نظامها مصطلح «الانسحاب من نية خوض الانتخابات الرئاسية» سوى فى مصر؟! وهل خالد على عندما أعلن عن «نيته» خوض الانتخابات ثم تراجع يحتاج الأمر منه عقد مؤتمرات صحفية للإعلان عن الانسحاب من خوض الانتخابات الرئاسية رغم أنه لم يستطع استيفاء الشروط القانونية سواء بجمع التوكيلات اللازمة أو تزكية 20 نائبا برلمانيا؟!
كما أكدنا ونؤكد دائما على أننا نعيش زمن تشوهت فيه المفاهيم، ودٌشنت فيه مصطلحات عبثية، فخالد على لم ينسحب من خوض الانتخابات الرئاسية، لأنه ببساطة لم يتقدم بأوراق ترشحه مستوفيا الشروط القانونية، حسب مواد الدستور 141 و142 وإنما أعلن عن نيته خوض الانتخابات، وعندما فشل فى استيفاء الشروط قرر التراجع عن «نيته» مستخدما مصطلح «الانسحاب» ومتهما النظام الحالى بالتسبب فى فشله!!
ونسأل، هل مطلوب من الدولة وأجهزتها، أن تستخرج لخالد على كل التوكيلات، وتدفع بآلاف الجنود والضباط من الأجهزة الأمنية المختلفة لحماية توكيلاته من السرقة والتلف.؟! وإذا كان خالد على قد فشل فى حماية 400 توكيل فكيف سيحمى دولة بحجم مصر، ويحافظ على مصالح شعبها البالغ 104 ملايين سواء المقيمون فى الداخل، أو فى الخارج..؟!
المعارضة فى مصر تقف فى شرفات منازلها، وتشاهد حركة سير المواطنين فى الشارع، ولا تنزل بين صفوفهم، فى القرى والنجوع والمدن بالمحافظات المختلفة، فلم نر البرادعى أو خالد على وصباحى وممدوح حمزة والإخوانى العتيد هشام جنينة، والطامع فى منصب مرشد جماعة الإخوان، عبدالمنعم أبوالفتوح، يذهبون لمحافظة أسوان، وهى بالمناسبة محافظة سياحية شهيرة، وتضم بين جنباتها فنادق رائعة، أو محافظة البحيرة أو الفيوم والوادى الجديد والشرقية، وغيرها من المحافظات المصرية، للتحدث إلى الناس من أرض الواقع، وليس عبر العالم الافتراضى، فيس بوك وتويتر!!
وكيف لهؤلاء أن يتحدثوا عن معارضتهم للنظام، ويهاجمون قراراته، ويشككون فى مشروعاته، ويكيلون له كل الاتهامات، وهم جالسون يرتدون «البيجامة» ويتمددون على آسرة نومهم فى منازلهم، ويحتسون القهوة «بن غامق» على الريحة أو سادة، وترجمة ذلك عبر حساباتهم الشخصية على السوشيال ميديا؟! وهل ملايين المصريين الذين يحملون فؤوسهم ويعزقون أراضيهم، أو الملايين الذين يقفون أمام ماكينات المصانع أو العاملين فى شركات المقاولات، تحت الشمس الحارقة صيفا والعواصف والأمطار شتاء، جميعهم يتابعون تويتات وبوستات البرادعى وممدوح حمزة وصباحى وخالد على..؟!
معظم الذين يتابعونهم من نفس العينة، نشطاء لا عمل لهم سوى نلقى التمويلات من الخارج، أو نشطاء لا يعملون تحت زريعة أنهم ثوريون، وأمهاتهم وأباؤهم ينفقون عليهم، لذلك لا تجد تأثيرا حقيقيا لهؤلاء على الأرض، والدليل القاطع أن خالد على، يتابعه على حسابه الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» مليون و800 ألف متابع، ورغم هذا الرقم الضخم من المتابعين، فشل فشلا ذريعا فى إقناع 25 ألف مواطن فى 15 محافظة فقط من محافظات مصر المختلفة، ليستخرجوا له توكيلات تزكية لخوض الانتخابات الرئاسية..!!
وهنا نسأل، بأى صفة يتحدث خالد على، الفاشل فى إقناع 25 ألف مواطن مصرى، بشخصه وكونه قامة سياسية، ومعارض قوى من أصل 104 ملايين؟! وهل من فشل فى إقناع 25 ألف مواطن من حقه أن يٌنصب نفسه معارضا وقيمة وقامة سياسية يحب على السلطة أن تعمل له ألف حساب؟! وهل تأكد الجميع أن مواقع التواصل الاجتماعى، مجرد عالم افتراضى وهمى، والدليل القاطع المانع أن عدد متابعى خالد على فقط على تويتر مليون و800 ألف متابع ومع ذلك لم يذهب واحد منهم لاستخراج توكيل تزكية سوى حمدين صباحى..؟!
ولَك الله يا مصر...!!