أكرم القصاص

إيران وثمن النفوذ.. تظاهرات الاقتصاد الضائع

الأربعاء، 03 يناير 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما يجرى فى الجمهورية الإيرانية، ربما لم يكن متوقعا أن يتم على هذه الصورة العنيفة، وقد بدت إيران خلال السنوات الأخيرة، التى عرفت بسنوات الربيع العربى، بعيدة إلى حد ما عن تأثيرات التحولات الهادرة، بل إن طهران حاولت أن تلعب دورا تدخليا فى أحداث المنطقة، فقد كان وجودها الأقوى فى لبنان ممثلة فى حزب الله، وفى العراق حيث بدت طهران الرابح الأكبر من سقوط صدام حسين، والذى كان العدو الأكبر لحكومة آيات الله، والفوضى التى اجتاحت العراق ما بعد الغزو الأمريكى، وأصبحت إيران ممثلة داخل نظام طائفى بالعراق، بدعم من أعداء البعث بتنوعاتهم، وبالرغم من تراجع شعارات تصدير الثورة الإيرانية وأطماع طهران الإقليمية فقد استمرت مساعى اكتساب النفوذ، من خلال الدعم المباشر لأحزاب وتنظيمات وجماعات مختلفة. بل إن طهران ارتبطت بعلاقات تنسيق مع تنظيمات مسلحة مثل القاعدة.
 
لكن مع الربيع العربى سعت إيران للتدخل فى الصراعات القائمة مباشرة، من خلال دعم الحوثيين فى اليمن، ومضاعفة التداخل فى سوريا ولبنان، وخرج قادة إيران ليتفاخروا بأن طهران أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، لكن هذا النفوذ كان له أثمان أكلت من الاقتصاد الإيرانى وانعكست على مشكلات اقتصادية واجتماعية، فضلا عن تصاعد الصراعات بين الإصلاحيين وسلطة رجال الدين، خاصة الفترة التى تلت خروج محمد خاتمى، والذى مثل أكثر رؤساء إيران إصلاحاً واعتدالا.
 
انتُخب محمد خاتمى لرئاسة إيران 1997 بناء على برنامج إصلاحى ووعد بمجتمع ديمقراطى أكثر تسامحًا، وسيادة القانون وتحسين الحقوق الاجتماعية، لكنه واجه معارضة من خصومه الأقوياء داخل مؤسسات الدولة ووقعت مصادمات متكررة لخاتمى مع مجلس الأوصياء والتليفزيون والإذاعة الرسمية والشرطة والقوات المسلحة والقضاء، وبعد 8 سنوات خسر خاتمى الصراع على السلطة، وأصيب عدد كبير من أنصاره بخيبة أمل وتعرضوا للاعتقال والقمع، وقد فسرت التحليلات خسارة خاتمى بضعف سلطات الرئيس عموما فى مواجهة سلطة رجال الدين الذين يسيطرون على باقى مؤسسات الدولة.
 
بعد خاتمى ومع نجاد عادت فكرة البحث عن النفوذ الإقليمى، وتصاعد الأمر مع الربيع العربى، وبدت إيران وتركيا أردوغان تبحثان عن نفوذ من خلال التداخل فى تحالفات وتحركات السياسة، وبالرغم من تعارض سياسات طهران وأنقرة، فقد اندفعت الدولتان بحثا عن نفوذ قديم، ودخلت طهران وأنقرة فى سياقات نظام دولى وإقليمى مختلف، وكان على كل منهما أن تدفع ثمنا اقتصاديا للنفوذ المرغوب.
 
وفى السياسة لا تظهر التأثيرات مباشرة، ولكن تتصاعد وتتفاعل التأثيرات الكمية، لتنتج على مستوى الكيف. واضح أن السياسات التداخلية الخارجية سحبت من الرصيد الاقتصادى وأنتجت أزمات اقتصادية واجتماعية انتهت إلى المظاهرات التى تعبر عن صدام من نوع جديد، فالمظاهرات تختلف عما جرى فى 2009، حيث كان الصراع سياسيا، بين إصلاحيين ومتطرفين، لكن التظاهرات اليوم تعبر عن الفقر والجوع، وتخرج عن سيطرة الجماعات التقليدية، وتبدو قوتها من أعداد القتلى الذين اقتربوا من الثلاثين، وحجم القمع فى المواجهة، وهو ما يجعلها بمثابة إنذار واعتراض على أزمات اقتصادية مرشحة للتصاعد، كاشفة عن أن النفوذ الإقليمى لا يغنى عن النفوذ الداخلى الاقتصادى والاجتماعى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة