ماذا يحدث فى إيران.. ثورة شعبية أم مجرد احتجاجات فئوية؟ سؤال شديد التعقيد إجابته معلقة بين ملالى طهران وإدارة ترامب فى واشنطن
ماذا يمكن أن تنتهى إليه الاحتجاجات الحالية فى المدن الإيرانية بعد سقوط أكثر من 20 قتيلا وبعد انضمام جنود وضباط جيش إلى المتظاهرين، وبعد أن رفع المحتجون لافتات «الموت لخامنئى.. الموت للديكتاتور»، وبعد أن دخلت الميديا العالمية والإدارة الأمريكية بثقلها وراء الاحتجاجات تؤيدها وتحتفى بها؟
إيران دولة إقليمية قوية بكل معنى الكلمة، لديها جيش قوى ومسلح جيدا ولديها أجهزة أمن شديدة الخطورة ولديها فصائل دينية مسلحة، كما أن لديها عقيدة الموت فى سبيل العقيدة والفصائل المستعدة لتنفيذ المهام الانتحارية داخل وخارج أراضيها، كما أنها دولة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، فلديها زراعة وصناعة متقدمة كما أنها متقدمة تكنولوجيا ولديها قاعدة علمية عسكرية ومدنية لا يستهان بها.
إيران القوية على الرادار الأمريكى، ويبدو أن ترامب قرر التحرك وإضعاف نظام الملالى أو إسقاطه، وكان لديه خياران، خيار القوة الذى يعنى حربا تنتصر فيها الولايات المتحدة بخسائر كبيرة، مع ارتهان جميع قواتها فى العراق وسوريا وسفنها فى الخليج، لتصبح أهدافا فى متناول الجيش والبحرية الإيرانية، أو خيار حروب الجيل الرابع وتفجير المجتمع الإيرانى عن بعد بالريموت كونترول، كما شهدنا فى تجارب عديدة سابقة خلال السنوات العشر الأخيرة من أوكرانيا إلى مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن.
الواضح حتى الآن أن واشنطن قررت استخدام نموذج حروب الجيل الرابع مع طهران، واستغلال حالة الغضب الشعبى من الفساد والأسعار والتضييق فى الحريات العامة لإشعال ثورة شعبية يمكن أن تؤدى إلى سقوط نظام الملالى الحالى وصعود نظام مدنى موال للسياسات الأمريكية، لكن هل يمكن أن تذهب أمواج الاحتجاجات فعلا إلى حيث تطمح الإدارة الأمريكية مع القوة الأمنية المفرطة فى إيران؟ وهل يمكن أن تسقط الحكومة الإيرانية فى الفخ المنصوب لها وتواصل قمع الاحتجاجات بوحشية بدلا من اتخاذ إجراءات تهدئة لاحتواء الغضب الجماهيرى؟
والملفت أيضا أن التيار الأصولى فى البلاد يحاول إنقاذ الأوضاع المتدهورة بالتضحية بالرئيس حسن روحانى من أجل الإبقاء على نظام المرشد الأعلى وهيراركية نظام ولاية الفقيه، وفى هذا السياق تصاعدت الأصوات الأصولية المطالبة بالإطاحة بروحانى وتحميله مسؤولية الأحداث الدامية، ولكن ليس بقرار من المرشد الأعلى يعلن تنحيته وإنما بقرار لانتخابات رئاسية مبكرة، دون أن يبدو حتى الآن بوادر استجابة من دوائر صناعة القرار لهذا المخرج للأزمة، ومع كل تأخير قد يفقد معناه وترتفع مطالب المحتجين مثلما يحدث فى كل التجارب الثورية.
إجمالا، الاحتجاجات التى بدأت منذ ستة أيام بمدينة مشهد، ضد سياسات التقشف والغلاء وتدنى الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من الإيرانيين، تكتسب أرضا جديدة يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى أكثر من عشر محافظات فى الشرق والغرب والجنوب، من خراسان إلى قوجان وسبزوار وأصفهان والأهواز ولوريستان وقائم شهر وقزوين وكرمانشاه ورشت، فضلا عن العاصمة طهران، وفى المقابل لم تفعل الحكومة شيئا غير إطلاق قوات الباسيج والحرس الثورى على المتظاهرين، الأمر الذى يعنى مزيدا من صب الزيت على النار والانجرار إلى باترون الثورة الأمريكى، وتذكروا أننا فى شهر يناير، الشهر المثالى لصناعة الثورات وإسقاط الأنظمة!