نحن لا نناقش أمرا يخص العقيدة، أو نعقد مقارنة بين الأديان المختلفة، ولكن نناقش قضية وطنية، تحاول جماعة متطرفة إقحام الدين فيها بقوة، وهو ما أضر بالأديان بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، حيث تشوهت صورته كدين وسطى يدعو للأمن والاستقرار والتسامح والمحبة.
مع العلم أن المؤسستين الدينيتين العريقتين، الأزهر والكنيسة، تلعبان أدوارا وطنية كبيرة، وموقفهما رائع ومتناغم ومعبر عن نبض الشارع المصرى بكل طوائفه السياسية والدينية والعرقية، وحريصان على وحدة الشعب المصرى والتصدى للأفكار الهدامة طوال تاريخهما العريق والمتجذر، حتى ولو كان هناك بعض الغضب من قرار هنا، أو أداء مرتبك هناك، إلا أنه لا يؤثر على دورهما دينيا ووطنيا!!
بينما الجماعات الإرهابية من الإخوان وأبنائها داعش والقاعدة وجبهة النصرة، وغيرها من المسميات، دائما ما تقحم الدين فى السياسة، لتوظيفه فى تحقيق مصالحهم السياسية والخاصة، دون النظر للأضرار الجسيمة التى تلحق بالإسلام كـ«ديانة» والعالم يربط بينه حاليا وبين الإرهاب المنتشر فى معظم الدول، ويهدد أرواح الأبرياء ويعصف بأمن واستقرار العباد!!
وإذا عقدنا مقارنة بين نهج جماعة الإخوان الإرهابية، التى تدعى ليل نهار أنها تحمل صكوك الجنة والنار والمواطنة، تمنحها لمن يشاء وتنزعها ممن يشاء، وبين الكنيسة، فى العمل الوطنى، تتكشف حقائق مذهلة، ويظهر الفارق الشاسع بين مواقف الجماعة المسيئة للوطن، وبين مواقف الكنيسة الداعمة بقوة للوطن.
جماعة الإخوان الإرهابية ارتكبت كل الموبقات الوطنية، منذ تأسيسها وحتى كتابة هذه السطور، بدءا من اغتيالات الرموز الوطنية، ومرورا بإشعال الحرائق والتفجيرات واستعدائها لمؤسسات الدولة، خاصة القوات المسلحة والقضاء والشرطة، وارتمت فى أحضان كل أعداء مصر، سواء تركيا أو قطر أوإيران أوأمريكا أوبريطانيا!!
جماعة الإخوان، خاصة بعد ثورة يناير 2011، وثقوا علاقاتهم بأمريكا، وقدموا لإدارة أوباما كل فروض الولاء والطاعة، ووافقوا على أن يكونوا جزءا جوهريا من مشروع الشرق الأوسط الكبير لتقسيم المنطقة، وتأجير سيناء لإقامة الفلسطينيين، وهو ما كشفته كل الوثائق والمخاطبات حول هذا الأمر، وبعد ثورة 30 يونيو 2013 اتخذوا من البيت الأبيض «كعبة» يحجون إليها 4 مرات فى العام، حسب الفصول الأربعة، لتأليب باراك أوباما ضد القاهرة، ويطوفون حوله، ويؤدون الصلاة داخل أروقته، ويتفاخرون بقدرتهم على التأثير فى القرار الأمريكى، كما ألبوا معظم دول العالم ضد مصر، من بريطانيا لألمانيا وفرنسا، وغيرها من الدول.
وبمقارنة موقف الإخوان من أمريكا وإسرائيل على وجه التحديد قبل 2011 وبعده، تجده مغايرا تماما، فقبل الثورة غير الميمونة، كان الإخوان يتاجرون بالشعارات المدغدغة لمشاعر البسطاء من عينة «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، والموت لأحفاد القردة والخنازير، ولن نتنازل عن القدس، وبعد وصولهم للحكم، صار الأمريكان والإسرائيليون أصدقاء الجماعة الأوفياء، وطالبوا من حركة حماس عدم إطلاق ولو رصاصة خرطوش واحدة تجاه إسرائيل، وتمتعت تل أبيب عاما كاملا من الأمن والأمان والاستقرار، ما لم تتمتع به من قبل أو حتى بعد 2013، والآن تقيم كل القيادات والأعضاء البارزين للجماعة الإرهابية فى أحضان تركيا، وقطر، ألد أعداء مصر، وينفذون مخططات إثارة الفوضى.
بينما المواقف الوطنية للكنيسة المصرية لا تعد ولا تحصى، وسنكتفى بسرد ثلاث وقائع، اثنان منها وقعتا خلال الأيام القليلة الماضية، وأولى هذه الوقائع الرفض التام لاستدعاء الخارج للتدخل فى الشأن المصرى، رغم ما تعرضوا له من استهداف الجماعات الإرهابية، من اغتيال الأبرياء، وإشعال النار، وهدم وتفجير الكنائس عقب فض اعتصام رابعة، كما لعبت دورا مهما لتصحيح صورة ثورة 30 يونيو، وأنها ثورة شعبية، وليس انقلابا كما يردد خصوم مصر!!
والموقف الثانى، رفض الكنيسة مقابلة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، أثناء زيارته التى كانت مقررة لمصر، وذلك احتجاجا على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو ما يعد اعترافا صريحا بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، وهو القرار الذى أثار سخطا وغضب مصر ومعظم دول العالم.
موقف الكنيسة الرافض لمقابلة نائب الرئيس الأمريكى، يتوافق مع موقف الأزهر، الذى رفض رسميا مقابلة مايك بنس، اعتراضا على نقل السفارة الأمريكية للقدس.
الموقف الثالث، رد الكنيسة على القانون المقدم للكونجرس والخاص بترتيبات حماية الأقباط فى مصر، حيث رفضت هذا القانون، ورفضت بشدة التدخل فى شؤون مصر، وعدم الاستقواء بالخارج، ولم تلجأ لأى جهة أو كيان لحل مشاكلها الداخلية.
من خلال هذا السرد المبسط للغاية، للمقارنة بين مواقف جماعة الإخوان الإرهابية وأتباعها، حيال القضايا الوطنية، وبين مواقف الكنيسة المصرية، اتضح الفارق الشاسع بين من يحافظ على الوطن، ومن يحاول إسقاطه بكل الوسائل، والارتماء فى أحضان الشيطان من أجل الوصول لحكم مصر!!
ولك الله يا مصر...!!