أكرم القصاص

تقرير الحالة «الفيس بوكية».. خريطة بصماتنا على جوجل

الأربعاء، 31 يناير 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالطبع.. نحن نمتلك الكثير من الخيارات فى عصر الاتصالات الرقمية، تجعلنا نشعر بأننا جزء فاعل فى العالم.. فقد وفرت لنا ثورة التكنولوجيا العديد من الميزات، الاتصالات السريعة، ويمكن لأى شخص فى مصر أن يتحدث بالصوت والصورة مع زميله أو قريبه فى الولايات المتحدة أو الصين، ويتشاركان فى شراء جهاز ما أو ملابس معينة، وأن يطمئن كل طرف على صحة الآخر ووجهه وحجمه، ويتابع مباراة فى إسبانيا ليشجع برشلونة أو ريال مدريد، وفى نفس الوقت يتابع الصراع السياسى من نشطاء كتالونيا الذين يريدون الانفصال، كل شخص يمتلك حسابا على فيس بوك، وتويتر، وإنستجرام، يتابع كل أخبار العالم من شماله لجنوبه، على الهواء، حروب، صراعات، حوادث، مهرجانات، يشارك بصور فى الأفراح والأحزان، ويتشارك فى تبادل الآراء ومتابعة كل ما يجرى على سطح الكرة الأرضية.
 
وبينما نفعل ذلك فنحن نقدم معلومات اختيارية بكل حريتنا نضعها للفرجة العامة، وخلال الإبحار فى شبكة الإنترنت تعجبنا أشياء ونرفض أشياء، نؤشر باللايك على ما نحبه، قلب أو ابتسامة أو دمعة، أو نعيد تشيير «مشاركة» أخبار أو صور، ومن دون أى شعور نترك بصماتنا على كل زر ندوس عليه، علامات الإعجاب أو الشير تعنى موافقة، وربما نضيف تعليقا أو نشارك فى حملة خيرية، نعجب بفيلم أو مسلسل، نتصفح صفحات الموضة والطبخ، وطبعا ندلى بآرائنا حول كل ما يجرى فى المجتمع وبما فيها السياسة، وبينما نرسل مشاعرنا، نتلقى مئات الأخبار والصور والشائعات والنكات، والإعلانات عن سلع نريدها أو نتحدث عنها، وربما لا نعرف أن ما نتلقاه من إعلانات وأحيانا أخبار موجه بناء على الصورة التى رسمها لنا خبراء التسويق الرقمى.
 
هذه العلامات التى نتركها فى كل مكان نتحرك به على الإنترنت تقدم تصورا عن كل منا، ما نحبه أو نكرهه وما نريده، وربما مستوانا الاجتماعى وحالتنا الأسرية وتصب كل هذه العلامات فى أجهزة تحليل رقمية، تحولها إلى رموز ثم تعيد تحليلها إلى نتائج ترسم صورة شبه مطابقة لكل منا.
 
ومن خلال التصورات الفردية يتم بناء تصورات جماعية، فكل جهة أو حى اجتماعى له قدرات شرائية يقبل أكثر على نوعية من السلع، والطبقة الوسطى غالبا تحب مواسم التخفيضات والأوكازيونات، وكل منا مرة أو مرات فكر فى الاطلاع على مواقع التجارة الإلكترونية التى تعرض سلعا منزلية أو أجهزة أو كاميرات بأسعار مخفضة، وتوصلها للطالب فى مكانه، هذه المواقع تخاطب مستويات متعددة، لكنها تركز على الفئات التى تمثل القوة الشرائية أو التى تتطلب طبيعة عملها الاحتياج لآلات وطابعات وكاميرات، فى الصيف يكون سوق المراوح، فى الشتاء تعرض الدفايات، ويبدى البعض دهشته من أنه كان يفكر فى شراء سلعة أو يبحث فى موقع جوجل عن أقرب مكان يشترى منه لاب توب أو شاشة أو مروحة، فإذا به يجد على صفحته بـ«فيس بوك» عشرات الإعلانات عن مواقع تسوق تعرض سلعا هو بحاجة إليها.
 
وفى كتاب «الرقميون» ينتقل ستيفن بايكر إلى القول إننا ونحن نبحر فى شبكة الإنترنت ونبحث عن اسم فيلم أو موقع للطبخ أو الشراء، نقدم تصورات عن أنفسنا تعود مواقع التحليل الرقمى لعدد محدود من الشركات لتحليلها لترسم لنا تصورات فردية وجماعية، فهى تكون تصورات عن كل فرد، ثم تصنف الأفراد إلى مجموعات، لكل منها مرتبة اجتماعية أو اقتصاديه، ثم تبدأ فى استعمال هذه التصنيفات فى توجيه عقولنا باختيار وليس بإجبار، فى الواقع فإن الشركات التى تبيع، تقول لنا إنها تعمل بتصويت المستهلك وتترجم رغباته، لكنها فى الواقع تدفعنا لشراء منتجات عن طريق إعلانات ليست مباشرة كما كان فى السابق، لكنها تبدو أمرا اختياريا، والمفارقة أن هذا الأمر لا يتعلق فقط بتسويق السلع، لكن أيضا بتسويق أشخاص وسياسات وأفكار، وهو تصور أقرب لتقرير الحالة الجنائية من خلال بصماتنا على فيس بوك وجوجل وغيرهما.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة