أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.
مرحلة التحالف الاستراتيجى «1981-2001» وهى المرحله التى سجلتها الأوراق السرية لروؤساء أمريكا، حيث سجل وصول إدارة الرئيس «رونالد ريجان» للسلطة فى يناير 1981، مرحلة جديدة فى وضع إسرائيل الإستراتيجى، مع ملاحظة أن عمليات سوء تفاهم قد تخللته، كما تصادف وصول جورج بوش للرئاسة فى يناير 1989 فى عصر دولى جديد نتيجة انقلاب الأوضاع فى أوروبا الشرقية ونشوب الانتفاضة الفلسطينية وحرب الخليج الثانية، وهذه المرحلة تتكون من خمس فترات: الفترة الأولى: إعادة تأكيد التحالف الإستراتيجى مع تولى الرئيس ريجان للسلطة «منذ عام 1981» يمثل وصول إدارة ريجان إلى السلطة مرحلة جديدة فى تأكيد وضع إسرائيل الاستراتيجى، إذ إن فريق هذه الإدارة يصر على أن إسرائيل هى رصيد الولايات المتحدة الأمريكية الأساسى فى المنطقة. وبطبيعة الحال فإن هذه الرؤية تؤدى إلى ضعف اهتمام إدارة ريجان بتسوية النزاع العربى - الإسرائيلى، ولذا رأت هذه الإدارة الدعوة إلى اجتماع استراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية بهدف مواجهة «الخطر الأعظم» وهو التعديات السوفيتية.
وبالطبع فإن هذا الاجتماع كان يقلل من أهمية دور مصر على الرغم من التدريبات المشتركة المصرية - الأمريكية، ولكن الخطة الأمريكية التى كانت تستهدف إنشاء نظام أمنى إقليمى يضم الدول العربية وإسرائيل اصطدمت برفض العرب للتعاون مع إسرائيل بحجة أن إسرائيل أخطر عليهم من الاتحاد السوفيتى، علاوة على رفض إسرائيل أن يكون معنى النظام الأمنى تقديم الأسلحة إلى الدول العربية. وقد تجلى هذا الرفض فى صيف وخريف عام 1981، عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية بيع طائرات أواكس وطائرات «إف- 15» للمملكة العربية السعودية، إذ عَدَّتْ إسرائيل ذلك تهديداً لأمنها وفى المقابل حصلت إسرائيل على تعويضات مباشرة «طائرات إف - 15» إضافية، والارتفاع بوضعها الاستراتيجى بتوقيع مذكرة تفاهم إستراتيجى بين البلدَين فى 30 نوفمبر 1981 «انظر ملحق المحددات الرئيسية لمذكرة التفاهم الاستراتيجى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، 30 نوفمبر 1981»، علاوة على تأكيد الرئيس الأمريكى رونالد ريجان لرئيس الوزراء الإسرائيلى بيجن فى سبتمبر1981، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حليفتان وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بنشوء أىّ خطر يهدد إسرائيل.
الفترة الثانية: التعاون الإستراتيجى بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية «1982-1989» وبدأت السياسة الأمريكية خلال هذه المرحلة تأخذ أبعاداً جديدة تجاه دول المنطقة مع إعطاء أسبقية مطلقة وأساسية لقضية المواجهة مع الاتحاد السوفيتى، ومحاولة إقناع دول المنطقة بأن الخطر الأساسى الذى يتهددها هو خطر النفوذ السوفيتى، ومن ثم تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفَين رئيسيَّين: الأول : محاولة إقناع دول المنطقة بأهمية الحماية الأمريكية لها، وما يستتبع ذلك من التسليم بضرورة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة، وضرورة مساهمة دول المنطقة فى الترتيبات التى تُعِدِّ الولايات المتحدة الأمريكية لها. الثانى: إيجاد شكل من أشكال التحالف غير المعلن بين محور كامب ديفيد والدول الأخرى المرتبطة بالسياسة الأمريكية فى المنطقة، ولكن كان هناك بالطبع عدد من المتغيرات التى أثرت فى إمكان تحقيق الولايات المتحدة الأمريكية لهذَين الهدفَين، ويأتى فى مقدمتها الغزو الإسرائيلى للبنان فى يونيه 1982 والوصول إلى بيروت ومحاصرتها ثم اقتحامها ومن ثم كان تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إيقاف إطلاق النار لإنقاذ الكوادر الفلسطينية من الإبادة، وما تلا ذلك من اتفاق على إخراج قوى المقاومة الفلسطينية من لبنان، ثم ارتكاب إسرائيل مذبحة صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين، ومن ثم كانت الضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل الانسحاب من بيروت، حيث خضعت إسرائيل لهذه الضغوط، ومع ذلك ظلت العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية وثيقة، نتيجة لاتفاق أهداف طرفَيها فى الحصول على مكاسب كنتيجة مباشرة لغزوا إسرائيل للبنان، وكذلك بسبب عدم إمكانية انتقاد المسؤولين الأمريكيين لإسرائيل، وفى ضوء عجز واشنطن عن فرض حل سلمى فيما سمى بالمستنقع اللبنانى.
فقد حدث تقارب ملموس بين البلدَين بما أدى إلى تعزيز المكانة الإستراتيجية لإسرائيل، حيث لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية أمامها خياراً لحماية مشاة البحرية من بعض الضربات الانتحارية التى وجهت إليها فى بيروت، سوى من خلال الجيش الإسرائيلى، ومن ثم جعل التعاون الإستراتيجى مع إسرائيل أولوية من أولويات الإدارة الأمريكية، وهو ما دفعها إلى توقيع التعاون الاستراتيجى مع إسرائيل فى 29 نوفمبر1983. وقد ساعد على توقيع هذا الاتفاق حالة الانقسام التى سادت العالم العربى والتى ضمنت عدم حدوث ردود فعل عربية مؤثرة، والواقع أن هذا الاتفاق يعنى تحولاً فى العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية. «يتبع»