توازن القوى السياسية عالميا وإقليميا، يشبه إلى حد ما نظرية التوازن الطبيعى فى عالم الأحياء، ويعانى العالم من اختلال فى توازن القوى منذ نهاية الحرب الباردة، وخروج الاتحاد السوفيتى.
إقليميا كان سقوط العراق بداية لاختلال إقليمى، استفادت منه إيران، ثم جاءت سنوات الفوران العربى لتبدأ عملية تفاعل فى اتجاهات مختلفة، تحركت ثوابت الجغرافيا السياسية المؤقتة، ضمن فوران سياسى، تحول بفعل التدخلات الدولية والإقليمية إلى صراع انتهى بحالة من عدم الاستقرار، تمتد من العراق مرورا بسوريا، وصولا لليمن، وامتد التأثير إلى ليبيا، وفى تونس ومصر مكّن بقاء نواة الدولة الصلبة كلا البلدين، من الصمود وسط المحيط الفائر.
ما جرى فى الشرق الأوسط وأدى إلى اختلال فى النفوذ والقوى، نتاج تفاعلات عشرين عاما، وليس فقط السنوات العشر الأخيرة فقط، ومن هنا يمكن النظر إلى ما يجرى فى إيران اليوم، وربما يقترب من تركيا.
تمددت إيران إقليميا بشكل كبير منذ سقوط بغداد وكانت الرابح الأول من الغزو الأمريكى للعراق، وخلال السنوات السبع الأخيرة تمددت طهران بدافع ملء الفراغات التى خلت بخروج قوى مثل العراق وسوريا ومدت يدها فى اليمن.
وتمددت تركيا بحثا عن نفوذ مضاعف وكسر أردوغان قواعد استقرت فى تركيا طوال القرن العشرين، أن تظل تركيا بعيدا عن الصراعات الإقليمية، ولم يقنع الرئيس التركى أردوغان بالتمدد الاقتصادى، وطمح إلى انتزاع دور أوسع من خلال التدخل فى الأزمة السورية، وعقد تحالفات مع التنظيمات المسلحة والإرهابية مثل داعش والنصرة، وتحالف مع حلف الناتو والولايات المتحدة دعما للمعارضة السورية المسلحة، قبل أن يغير اتجاهاته تجاه التدخلات الروسية.
للمفارقة فإن أردوغان الذى ساند الحرب الأهلية فى سوريا بتحالف مع الغرب، واجه إيران التى تقف فى صف الرئيس السورى بشار الأسد، هو نفسه الذى يتهم الولايات المتحدة بدعم المظاهرات الغاضبة فى إيران. وأعلن وزير الخارجية التركى تشاوش أوغلو: هناك شخصان يدعمان ما يجرى فى إيران هما الرئيس الأمريكى ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو.
لم يكن هذا هو رأى تركيا عندما وضع أردوغان يده فى يد الرئيس الأمريكى أوباما فى سوريا وليبيا، وعندما تحالف مع قطر فى تنفيذ ودعم الأجندة الأمريكية والغربية، بل إن أردوغان لم يتوقف عن التعاون العسكرى والأمنى مع إسرائيل التى يتهمها اليوم بدعم مظاهرات إيران.
إيران تدفع ثمن تمددها الإقليمى فى العراق ولبنان وسوريا واليمن، حيث إن تكلفة هذا التدخل ضخمة على الخزانة الإيرانية، حيث إن النفوذ الإقليمى لا يهم المواطن الإيرانى، طالما كانت بطنه خاوية، ومهما كانت التدخلات الأمريكية أو الإسرائيلية أو حتى الإقليمية لا يمكن تجاهل الأسباب الموضوعية التى تدفع المواطن الإيرانى للتظاهر وهى أسباب اقتصادية واجتماعية، خاصة أن حكومة الرئيس روحانى تواصل انتهاج سياسات اقتصادية تفتقد للعدالة، فى توزيع الثروة والنفوذ، بينما تدفع الحكومة الإيرانية بمظاهرات من المؤيدين لمواجهة المظاهرات الغاضبة ربما لهذا تظهر أصوات من داخل النظام الإيرانى، تحذر من تجاهل العوامل الاقتصادية، منهم رئيس اللجنة الاقتصادية فى مجلس الشورى محمد رضا بورابراهيمى الذى دعا المجلس والحكومة لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب، وحذر فى تصريح لوكالة «فارس» من عدم الاستجابة لمطالب الشعب.
وكل هذا يشير إلى أن الاختلال فى التوازن الجيوستراتيجى، الذى أصاب المنطقة خلال السنوات الأخيرة، يقترب من إيران وتركيا، والدولتان تصورتا إمكانية الربح من اختلال التوازن، ولهذا تتقارب طهران وأنقرة، بالرغم من مواجهة سابقة فى سوريا، وهو تحالف يقوم على مخاوف مشتركة، للغرماء السابقين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة