الإعلام كالنار إما يشعل حرائق أو يجلب الدفء، ومصر فى أمس الحاجة إلى إعلام يجلب دفئاً حقيقياً يعكس ما يجرى على أرض الواقع، دون تهويل أو تهوين، فليس من الموضوعية إسدال ستائر الصمت على ما يحدث من إنجازات، يمكن أن تعيد إحياء روح الأمل، وتوقظ فى المصريين روح التفاؤل، بأن مصر «رايحة على المستقبل» بخطى واثقة، لا تثنيها مؤامرات أو مخططات تريد جذبها إلى الوراء.
الصورة الماثلة أمامى مزدوجة.. بين إلقاء نظرة على أحياء شعبية متهالكة، يُحشر فيها البشر بطريقة غير آدمية، عشش متهالكة يسكنها مصريون، لا ترى مساكنها الشمس ولا الهواء، وشوارع ضيقة تتلوى كالثعابين السامة، تتشارك فى غرفة واحدة، ودورة مياه، وكثير فيها آيل للسقوط.
لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟.. لأننا انكمشنا داخل المساحة الضيقة التى لا تزيد على %10 من مساحة البلاد، وتركنا أرض الله الواسعة نهباً للإهمال، فضاقت المدن والقرى بمن فيها، وتعددت الاختناقات فى كل أوجه الحياة، وكان ضرورياً أن ينكسر الطوق، وأن تتنفس البلاد هواء التوسع بعيداً عن أماكن الازدحام.
صحيح أن البلاد توسعت فى إنشاء مدن وكومباوندات ومنتجعات، ولكنها لم تركز على تفريغ الكتل البشرية، وخلخلة الاختناق، وسحب أعداد كبيرة من السكان فى أماكن التوزيع الجديدة، أو ما يمكن أن نطلق عليه عدالة توزيع السكان، فأصبحت الخريطة هى: سكان بلا مساكن، ومساكن بلا سكان.
الصورة الآن بدأت تتغير كثيراً، لينعم المجتمع كله بثمار التنمية والإصلاح، وأن يشعر الناس بأنفسهم أنهم شركاء فى ثروات بلادهم.. وأضرب نموذجاً بنقل كثير من سكان الأحياء العشوائية إلى المناطق الجديدة، ولأول مرة فى تاريخ مصر يتم بناء هذا العدد من المساكن للمعوزين ومحدودى الدخل.
الاختناق فى مصر عمره من أيام محمد على باشا، بسبب إهمال الريف والتركيز على الحضر، فأصبح جاذباً لكل الحالمين بلقمة العيش، وتركز الضغط كله على القاهرة، مدينة الحياة والمترو والمصانع والأحياء التجارية وكل شىء يجذب الناس، ولو امتدت يد العمران إلى الصعيد والوجه البحرى ما وصلنا إلى هذا الوضع المتأزم.
بداية الطريق هى العودة إلى مصر التى نحلم بها.. وأضرب نموذجاً مغايراً بالإسماعيلية الجديدة، مدينة المستقبل التى تقف كعروس للمدن فى شمال القنطرة، ومبانيها الساحرة وأجواءها الرائعة وحدائقها، واكتمال كل المرافق والخدمات، وأهمها المدارس والمستشفيات وأقسام الشرطة والمسجد والكنيسة، وبعد شهور قليلة يمكن أن تستقبل نصف مليون نسمة، كسكان دولة صغيرة، ولكنها رئة جديدة فى سيناء الحبيبة، وتجيب عن السؤال الأهم: مصر رايحة على فين؟