عن شبرا أحد أهم وأشهر أحياء القاهرة صدرت العديد من الكتب والروايات والقصص والحكايات، شبرا حى من عمر مصر، يحمل تاريخها وتحولاتها، وفرحها وحزنها، وملخصا لتاريخ مصر البلد و«مصر» العاصمة، كما يسميها الوافدون من إقاليم المحروسة، فهى أول ما يقابل القادم من بحرى، ومستقر لكثيرين من وجه قبلى، وبينما تبدو قصة شبرا وقد أغلقت بما صدر، فإذا بالشاعر والكاتب يسرى حسان يعيدها للحياة، بكتاب جديد فى شكله وبنائه ومضامينه، وشقاوة حكاياته المدهشة.
«خلطة شبرا» خلطة شهية فول وطعمية وفتة ولحمة راس، كوباية شاى وطبق كشرى، بطيخ وبرتقال، طبق شهى من السرد بتحويجة روائية وقصصية معا، وأيضا بكائية ساخرة، على أزمنة التحولات فى مصر طوال نصف قرن وأكثر.
خلطة يسرى حسان مزج بين الشخصى والعام، يفرغ فيها الشاعر أدراج الذاكرة، ويجرى لها عملية جرد علنا، ليقدم حكايات أشخاص وأماكن فى حى شبرا، أشخاص ليسوا من المشاهير سكان «الشوارع والحوارى والأزقة، صديق الحواة والحلنجية والمجاذيب، وبائعات المحشى والفول النابت والكسكسى، ومبيضى النحاس، والقفاصين، والحصرية، والعربجية، والشيالين، والباعة السريحة، واللاسعين، وأصحاب الغرز.. أهل شبرا الذين فى البدروم»، كما يشير يسرى حسان فى مقدمة كتابه.
الأماكن فى خلطة يسرى حسان تبدو كأنها تكتشف للمرة الأولى، أكثرها حنينا قصة سوق روض الفرج التاريخى للخضار والفاكهة الجملة حتى منتصف التسعينيات قبل أن ينقل ليصبح» سوق العبور، ولم يكن «روض الفرج» منذ إنشائه عام 1947، مجرد سوق مركزى للفاكهة والخضار، لكن «خلف الواجهة الرئيسية أو النشاط الأساسى.. عالما آخر كان محتشدا بحكايات وقصص.. ومناظر أيضا حتى تكون كل الأطراف مرضية».
يسرى حسان يقدم وصفا حكائيا للسوق، وشخوصه ربما يتجاوز التجار الكبار إلى مساعدين وصغار السريحة، وصناع الشاى وباعة السمين، والشيالين، والقهاوى، وحتى «القمارتية» وغيرهم يرسمهم يسرى حسان ببراعة العارف العائش معهم.
يسجل يسرى حسان فى مقدمة كتابه «لا تنتظر منى كتابة عن تاريخ شبرا.. المؤرخون كثر، وكذلك الجغرافيون والفلاسفة والمفكرون الاستراتيجيون، يمكنك أن تجد طلبك عندهم»، وبالرغم من إنكاره فهو يقدم تاريخا وجغرافيا وعالما انقرض أو كاد، حكايات يسردها ببساطة وعمق وشاعرية وحزن ضاحك وسخرية دامعة لهذا يبدو العنوان الجانبياً «عن الحياة التى عشتها قبل الدنيا ما تتغير»، معبراً، يقف يسرى حسان فى مكان بين الراوى على ربابته، والمؤرخ الرحالة حامل الحكايات، يروى ببساطة وسخرية قصته مع «الكُتاب» وشيخه إلى طرده، وهروبه من الإسكندرية للقاهرة، لأنه لا يريد مغادرة شبرا، ويمسك بيدك ليسحبك إلى أعمق حوارى شبرا، ليخرج إلى شوارعها، ويقفز من فوق أسوار مدارسها، ليجلس فى كراسى سينمات بعضها اندثر، والبعض جارت عليه الأيام.
21 فصلًا من المتعة الخالية من الملل، عن «قهاوى الناس»، مقاهى الفرانين والنشالين والحشاشين عن فتوات، وعابرى سبيل، حسن مدفع، وعريان أبو دومة، وأولاد حمكشة الحانوتى، وعن دور السينما التى لا تنام، والعربجية وحميرهم، وشخصيات عجيبة صنعت تاريخ مصر وشبرا، قبل الدنيا ما تتغير، فى خلطة شبرا يمسك يسرى حسان بحكايات قبل أن تطير ليقدمها للتاريخ والقارئ العابر والجالس والهاوى والمحترف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة