خلال الأيام القليلة الماضية، استعرض الإعلامى عمرو أديب مع الكاتب الدكتور يوسف زيدان خلال الفقرة نصف الشهرية " رحيق الكتب " ببرنامج " كل يوم "، كتاب " تاريخ اليهود فى بلاد العرب .. فى الجاهلية وصدر الإسلام " للكاتب المصرى اليهودى الدكتور إسرائيل ولفنسون، وهو الكتاب الذى وصفه الإعلامى عمرو أديب خلال الحلقة بأنه مستفز للغاية، ورغم أن الكتاب قديم حيث صدر سنة 1914، إلا أن توقيت صدوره عامل هام لقراءته، فهو كتاب لا ينتمى ولا يتبنى أيا من الخطابات السائدة فى الجدال حول أوضاع اليهود أو الصراع العربى الإسرائيلى الذى ألقى بظلاله على كافة النقاشات، وترجع أهمية الكتاب أنه يعد أحد الدراسات الكاشفة للسؤال الجوهرى كيف يرى اليهود الإسلام.
اللافت للنظر أن هذا الكتاب وعلى ما يقدمه من وجهة نظر مغايرة لعلاقة اليهود بالمسلمين فى صدر الإسلام، أن المشرف على هذا الكتاب والذى قدمه هو الدكتور طه حسين، وهو أمر يضعنا فى حيرة من امرنا، ويجب أن نتوقف أمام العديد من الأسئلة، هل نحن حقا أمة لا تقرأ، ولماذا لا نقرأ، هل يكفى أن نقول أن ذلك بسبب انتشار الأمية أم أننا أمة لا تقرأ لأننا ضد إعمال العقل والمنطق والأخذ بالأسباب من الأساس.
والواقع أن الحالة الجدلية التى يطرحها الكتاب، وحالة التعصب التى يقابل به كل الكتب المشابهة، هل الخلاف مع الكيان الصهيونى كفيل بأن يجعل المواطن العربى يرفض العلم والمعرفة ووسائل التقدم التى ينتجها هذا الكيان، وإذا اخترنا أن الانحياز للعلم، وضرورة السعى وراءه حتى وإن كان منتجه عدوا، فما هى الحدود الواضحة والفاصلة بين اليهودية كديانة وبين الحركة الصهيونية التى زرعت دولة إسرائيل فى المنطقة.
الثابت تاريخيا أن إسرائيل أسست على أساس دينى ومن اللحظة الأولى هى دولة تمييز دينى وعنصرى، وهو أمر يتنافى مع كافة مواثيق الأمم المتحدة، ويحق لنا مقاضاة ومحاسبة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على جرائمهم التى تم إرتكابها ضد الشعوب العربية، مرورا بالتعامل الوحشى مع الفلسطينيين والعرب، ووصولا لجرائم الاستيلاء على الأرض وبناء المستوطنات.
إلا أنه ومع ذلك، فقد استطاعت إسرائيل الحصول على الاعتراف الدولى، وبذلك مال العرب جميعا إلى توحيد كلا من الديانة اليهودية والحركة الصهيونية، وأصبحنا نتعامل بشكل بديهى أن كلاهما أمر واحد، وجهة النظر تلك ناضل ضدها التنويريين العرب قديما، وأصروا على الاستمرار فى التفريق بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية، وهذا الجدل بالصيغة التى طرحها الكتاب تستدعى مراجعة هذه الصيغة، والتفكير فى إجابة حقيقية لهذا السؤال، هل اصطنع التنويريون وهما فى التفريق بينهما، أم أن هناك تيارات دينية لا تعترف بالفكر الصهيونى وممارساته ويجب التواصل معها.
يعيدنا النزاع العربى الإسرائيلى إلى بعض مراحل الحروب الصليبية، ورغم شراسة هذه الحروب إلا أن الصليبيين بل وأوروبا كلها كانت تنقل عن العرب العلوم جميعها من الفلسفة وحتى الرياضيات، ولم يقف الخلاف الثقافى والصراع على المصالح والتجارة حائلا أمام تحصيل المعرفة. فلماذا يعجز المواطن العربى عن التعامل بالمثل. رغم أن معطيات العصر كلها تدفع فى هذا الاتجاه، حيث التقدم التكنولوجى الذى جعل من العالم قرية صغيرة .
بغض النظر عن كل الجدليات التى طرحها الكتاب والنقاش والعرض، فإن هذه الحلقة تعيد طرح الأسئلة البديهية الأولية عن الصراع العربى الإسرائيلى، وموقف الإسلام من اليهود، وموقف العالم من الصراع المسلح بين العرب وإسرائيل، وتؤكد أننا بحاجة ماسة لإعادة التفكير فى كافة المسلمات التى سيطرت على الفكر العربى.
نحتاج بشكل ملح أن نكتشف هل نعرف عدونا بحق، من هو عدونا، ما هى وجهة نظره فى حكوماتنا ودياناتنا وأخلاقنا، ما هى نقاط قوته وما هى نقاط ضعفه، وما هى نقاط قوتنا وضعفنا من وجهة نظره.
الأمر بالكامل يحتاج إلى مراجعة حقيقية ولا أقصد هنا الحكومات، بل على مستوى المواطن العربى البسيط، لأن الصراع العربى الإسرائيلى لا يزال هو أهم العناصر التى تحرك السياسة الدولية، والثورة التى قادتها الدبلوماسية المصرية فى أروقة الأمم المتحدة، سيكون لها تبعات ويجب أن نكون قدر المسئولية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة