بتوقيع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أمس الأول الخميس مرسوما لاستئناف الرحلات الجوية المتنظمة بين موسكو والقاهرة، نكون قد وصلنا إلى نقطة مهمة ومفصلية ليس فقط فى مسار العلاقات المصرية الروسية التى لم تتأثر رغم ما مرت به من صدمات وعقبات، لكن المفصل فى هذا القرار هو أنه فتح الباب أمام بقية الدول الأخرى لكى تحذو نفس موقف روسيا، وتحديداً بريطانيا.
روسيا أوقفت حركة النقل الجوى مع مصر فى نوفمبر 2015، بعد سقوط طائرة مدنية روسية تابعة لشركة «كوجاليم أفيا» فوق سيناء بعد إقلاعها بفترة وجيزة من مطار شرم الشيخ، وقتل جميع ركابها البالغ عددهم 217 راكبا، إضافة إلى أفراد طاقمها الـ7، ومن وقتها دارت مفاوضات عدة بين القاهرة وموسكو، وانتهى إلى التوقيع فى 15 ديسمبر الماضى على بروتوكولا للتعاون فى مجال ضمان أمن الطيران المدنى، بين وزير النقل الروسى، مكسيم سوكولوف، ووزير الطيران، شريف فتحى، ويعتبر هذا البروتوكول أمرا ضروريا لاستئناف الرحلات الجوية بين الدولتين، وحينها قال رئيس وزارة الطيران المصرية: إن الرحلات بين موسكو والقاهرة ستستأنف اعتبارا من الأول من فبراير، وإن الطرفين سيستأنفان الرحلات الجوية غير المنتظمة «تشارتر» فى إبريل المقبل.
قرار روسيا الأخير يؤكد للجميع أن مصر استطاعت خلال الشهور الماضية أن تستوفى كل المعايير الأمنية والمهنية المرتبطة بتأمين رحلات الطيران، وهذا لم يكن يعنى أنها فى الماضى كانت مقصرة، لكنها واكبت التطورات التكنولوجية التى ظهرت فى المجال الأمنى، بما يمكنها من ضبط حركة الطيران أولاً، وثانياً فرض أكبر درجة من التأمين، وهو ما شهدت به كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بمراقبة الإجراءات الأمنية والإدارية فى المطارات، فخلال الزيارات الأخيرة التى قامت بها هذه المنظمات والهيئات للمطارات المصرية أثنت كثيراً على الإجراءات المصرية، وقالت إنها توافقت مع كل المعايير الدولية.
تقارير هذه الهيئات ومعها أيضاً القرار الروسى الأخير، هو أكبر رسالة يمكن أن نوجهها لبريطانيا التى كانت أول من سارع وقرر تعليق الرحلات الجوية مع القاهرة، وهو ما دفع دولا أخرى من بينها روسيا لتسير فى نفس طريقها، وأعتقد أن الجانب البريطانى مطالب اليوم، بأن يقول كلمته الأخيرة، أما عودة الرحلات أو يقول لنا ما هى أسبابه ومبرراته، فما نعلمه أن لندن تحركها أهداف سياسية لا علاقة لها بالأمور الأمنية، وإذا كنا مخطئين فلتقل لنا لندن أننا كاذبون.
لا يعقل أن تكون لبريطانيا اشتراطات أمنية أكثر مما طلبته روسيا، أو تتجاوز المعايير الدولية التى استوفتها المطارات المصرية، كما لا يعقل أن دولة مثل الولايات المتحدة تثق فى القدرات المصرية فى تأمين رعاياها وطائراتها التى تهبط يوميا فى مطارات مصر، فى حين تتشكك بريطانيا إلا إذا كان للأمر وجوه أخرى لا نعلمها، أو مرتبط بأهداف سياسية كما سبق وأشرت، فكلنا نعلم أن لندن أصبحت المكان الذى اختاره قيادات جماعة الإخوان الإرهابية للإقامة والتخطيط ضد مصر، مسترجعين العلاقة الحميمية بين بريطانيا والإخوان منذ أن تأستت جماعة الإخوان عام 1928 بدعم من الاحتلال الإنجليزى حينها، وهى العلاقة التى كان من نتاجها توفير ملاذ آمن لكل القيادت الإرهابية التى استطاعت الهرب من مصر، لتجد فى لندن من يحسن أستقبالهم.
حتى الآن لا أحد يتشكك فى النوايا البريطانيا تجاه مصر، رغم ما حملته الأيام الماضية من أزمات كانت لبريطانيا اليد الطولى فيها، لكننا رغم ذلك نحسن النية فى الأصدقاء البريطانيين، لكن حسن النية على الأقل من جانب الشعب لها مدى زمنى، فهى ليست بلا سقف، وإنما سقفها واضح ومعلوم للجميع، وهو عدم الإضرار بالمصالح المصرية، هذا هو أساس العلاقة التى يجب أن تحكمنا ببريطانيا.
نعم، بريطانيا هى أكبر مستثمر أوروبى فى مصر، وشركاتها تعمل فى مصر ولم تتوقف حتى فى فترة الاضطرابات السياسية والأمنية بعد أحداث 2011، لكن هذا لا يشفع لها لتأخذ هذا الموقف غير المبرر بتعليق سفر رعاياها إلى مصر، رغم يقينها أن مثل هذا القرار يؤثر سلبا على مصر واقتصادها، لكنها قررت الاستمرار فيه، وتقول علناً إنها تدعم مصر، لكنها فى الظهر لا تزال طعناتها تؤلمنا.
بريطانيا دولة صديقة لمصر، بل تعد من الدول القريبة لنا على المستوى الرسمى والشعبى أيضاً، لذلك كلنا نستعجب موقفها الأخير، وانحيازها لوجهة نظر الجماعة الإرهابية، على حساب الشعب المصرى، وكما قلت، قد أكون مخطئا فى رأيى بل ومتطرفا، لكن لا أملك أى دليل عكس ما أقوله، لأن الأفعال على الأرض تؤكد لنا أن بريطانيا ليست معنا.