صراعات طاحنة تدور رحاها للسيطرة على منطقة القرن الأفريقى الاستراتيجية، سواء بحدودها الضيقة أو الواسعة، ومبعث هذا الاهتمام والصراع للاستحواذ والنفوذ بأى صورة من الصور فى هذه المنطقة، كونها تطل على خليج عدن، وتشرف على مضيق باب المندب، ومواجهة لمنطقة شبه الجزيرة العربية، ومتجاورة لإقليم البحيرات العظمى فى وسط أفريقيا، الغنى بموارده المائية.
وتتكون منطقة القرن الأفريقى من الصومال وجيبوتى وإريتريا وإثيوبيا، مع العلم أن الصومال تشغل معظم مناطق القرن الساحلية الواقعة على المحيط الهندى وخليج عدن، فى حين تشمل جيبوتى وإريتريا بقية مناطق القرن، ومنذ انفصال واستقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993 فقدت أديس أبابا نفوذها القوى على هذا المنفذ الساحلى الاستراتيجى، ومن ثم فإن كل من الصومال وجيبوتى وإريتريا بجانب اليمن يسيطرون على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر!!
الغريب أن علماء الجغرافيا لا يُصنفون السودان وكينيا من ضمن دول القرن الأفريقى، إنما يصنفونهما من ضمن دول حوض النيل، رغم أن السودان على سبيل المثال تطل على البحر الأحمر، ولها ميناءين، بورسودان وسواكن.
وتكتسب منطقة القرن الأفريقى حاليا أهمية استراتيجية قصوى، تأسيسا على ما يمر به الإقليم من قلاقل وصراعات تلوح فى الأفق، وأبطاله تركيا وقطر وإسرائيل والسودان، التى تحاول السيطرة على هذه المنطقة، لتهديد الأمن القومى المصرى بشكل خاص، ومنطقة الخليج العربى، وفى القلب منه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، بشكل عام، لذلك وجدنا تركيا تكثف من وجودها فى الصومال علاوة على استحواذها على جزيرة سواكن السودانية، بينما هناك تحركات قوية من مصر والسعودية والإمارات، لبسط نفوذهم فى المنطقة، ومد جسور التعاون الكبير مع إريتريا.
الدليل ما أكده معهد «ستراتفور» الاستخباراتى الأمريكى من أن دولة الإمارات العربية عززت من بنيتها التحتية العسكرية فى إريتريا، وأصبح وجودها جوهريا، وتحديدا منذ بدء قرار التحالف الإسلامى بضرب الحوثيين فى اليمن، وأجرت الإمارات بعض عملياتها انطلاقا من ميناء عصب الإريترى، والتأكيد على أنها استأجرت قاعدة عسكرية فى هذا الميناء ولمدة 30 عاما.
ومن المعلوم بالضرورة أن «ستراتفور» مركز دراسات استراتيجى وأمنى أمريكى، يعد أحد أهمّ المؤسسات الخاصة التى تعنى بقطاع الاستخبارات، ويعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسى، وتطلق عليه الصحافة الأمريكية اسم «وكالة المخابرات المركزية فى الظل» أو الوجه «المخصخص» لـ«السى آى إيه» ومعظم خبراء مركز ستراتفور عبارة عن ضباط وموظفين سابقين فى الاستخبارات الأمريكية.
لذلك تكتسب معلومات «ستراتفور» أهمية خاصة، عندما يؤكد على الصراع الطاحن على مناطق النفوذ فى منطقة القرن الأفريقى، معظمه للتحكم فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، وبعضه مكايدة سياسية، وتلقيح عسكرى، منها ارتفاع صوت إثيوبيا والسودان عاليا، ومحاولة التحرش بمصر فى شكل تصريحات قوية ومنتقدة بقوة للقاهرة، وافتعال أزمات، وتأجير مينائها المهم لتركيا ألد أعداء مصر.
القاهرة من جانبها، استعدت لهذا السيناريو جيدا، وكان للقيادة المصرية الحالية، بُعد نظر فى إعادة تدريب وتسليح الجيش المصرى، خاصة بحريا وجويا، ليصبح لها اليد الطولى فى البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وأنها الدولة الوحيدة التى تمتلك حاملات الطائرات، وغواصات متطورة، فى المنطقة وما نشاهده من صراع فى البحر الأحمر ومحاولة السيطرة وبسط النفوذ بقوة فى منطقة القرن الأفريقى، إنما يمثل درجة من الأهمية تصل إلى القصوى.
بجانب سعى مصر الحثيث للعودة للحضن الأفريقى من جديد، وتوسيع دائرة نفوذها فى منطقة القرن الأفريقى، بالتعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، وهو التحالف القوى، الذى يشعر به كل أعداء الأمة، ولم تتوقف مصر عند حد تطوير جيشها تدريبا وتسليحا، ولكن تعاقدت لامتلاك قمر صناعى متطور، وتبنى مشروع وكالة الفضاء المصرية، باعتباره مشروعا سياسيا بالدرجة الأولى، ويهدف إلى تحقيق الاستقلال التام لمصر، بعيدًا عن المراقبة الدولية، وتتمكن من التحكم فى مقدراتها، والحصول على الصور اللازمة، فى ظل أن هناك عددًا من الدول تمتنع عن مدها بالصور اللازمة التى تحتاجها لأمنها القومى، ومنها مثلا ما مرت به مصر من تجربة مريرة للحصول على صور لسد النهضة على سبيل المثال، كان كفيلا أن يدفعها للسير فى إقامة الوكالة الفضائية، لدرجة أنها تكبدت 30 مليون دولار ثمن صور لسد النهضة من الوكالة الفضائية الأمريكية «ناسا»، وتبين أن الصور مشوشة، وهو ما كشفه رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، حسين الشافعى، فى حواره مع الزميلة «الدستور» مؤخرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة