لم تعد كرة القدم هذه اللعبة البسيطة التى يحتل الجمهور مفاتيحها، وإن ظل الجمهور طرفاً أساسياً فى شعبية اللعبة، وتفوق نجوم الكرة على نجوم السينما والغناء، فى لعبة تحولت مع الاحتراف إلى تجارة تتداخل معها السياسة ورؤوس الأموال، وتحتل مكانة أكثر تأثيرا فى منصات المال والإعلام والنجومية فى العالم، وتجاوزت كونها لعبة شعبية للفرجة والتشجيع والمتعة لتصبح جزءا من صراعات العالم وأحلامه وأمنياته، وأصبح لدينا عدد وافر من اللاعبين المحترفين فى فرق عالمية وعربية برزوا كلهم فى نوادى أوروبا واحتل محمد صلاح مكانة اقترب فيها من النجومية الكبرى، وأصبح نجوم الكرة مثلا أعلى يقلده الأطفال والمراهقون ويسعون ليصبحوا مكانهم وبجانبهم.
وهو ما أعاد جدلا مستمرا منذ السبعينيات: هل نجوم الكرة المثل الأعلى الأكثر شعبية للأطفال والشباب؟ بدأ هذا الجدل من السبعينيات وكان أغلب إن لم يكن كل لاعبى الكرة الكبار منتمون لأسر بسيطة أو متوسطة بعضهم لم يكمل تعليمه ومع هذا يمثلون مثلا أعلى للأطفال والصبيان المراهقين، لدرجة الحرص من الشباب على قص شعرهم أو ارتداء ملابسهم على طريقة نجمهم المفضل.
وبعد أن احتلت فكرة الاحتراف عقول آلاف الشباب لم يعد نجوم الكرة مجرد لاعبين تتابع الملايين أخبارهم وتقلدهم وتسعى وراء صورهم، لكنهم أيضا أثرياء يحققون حلم الثراء، وأصبحت أسعار بيع وإعارة اللاعبين بمئات الملايين ضمن صفقات مذهلة، واللاعب خلال أعوام قليلة يمتلك المال ويتحول مع الوقت إلى نموذج يسعى كثيرون لتقليده ويحلمون بتكرار تجربته، بالرغم من أن الصعود للنجومية محفوف بالمصادفات واللعب نفسه يصبح دائما على كف عفريت، وقال أحدهم إن محمد صلاح عجز عن أن ينضم لنادى الزمال، ورفضه ممدوح عباس قبل عام واحد من احترافه بالخارج، وبدت المفارقة أن صلاح لو كان انضم للزمالك ربما واجه مشكلات، وجلس على الدكة، وبالتالى فقد خدمه من رفضه ولم يضره، وهو عنصر مرتبط بمصادفات منها أن يبقى اللاعب سليما ولا يصاب فتضيع نجوميته.
وأثناء انشغال الناس بمحمد صلاح كنموذج كبير لامع للتفوق طرح طالب بكلية الصيدلة وزملائه من الجامعيين على «فيس بوك» تدوينات قالوا فيها إن الاجتهاد والتفوق لم يعد القيمة، ويقول إنه ذاكر وتفوق ليدخل كلية الصيدلة ولا يملك شيئا ولا يجد من يهتم به وبتفوقه بينما اللاعب فلان وزميله لا يجيدون سوى تحريك أقدامهم وتحولوا إلى نجوم ومثل أعلى وتداخل معه آخرون فى المناقشة، وقال بعضهم إن الدرجات فى الثانوية ليست الفيصل ويمكن أن يكون هناك مليون صيدلى وطبيب، ولا يوجد سوى عدد محدود من اللاعبين الموهوبين الذين يشكل كل منهم أسطورة.
شاب آخر أبدى سعادته بنجومية محمد صلاح لكنه قال إن مصر أنجبت عباقرة لا نعرف شيئا عنهم، وضرب مثلا بعلماء فى مجالات العلوم والطب والهندسة ومنهم أصحاب نظريات علمية لا يعرف عنهم شيئا، ورد عليه أحد زملائه بالقول إن الكرة والسينما والغناء أنشطة جماهيرية، بينما العلم نخبوى، وأشهر نجوم الفن لا يعرفون شيئا عن العلماء، كما أن نجوم السينما والفنون أغنى وأشهر فى العالم كله، لكن العلماء أيضا مقدرون لكن عندنا الشهرة والمجد للنجوم والعلماء يعيشون ويرحلون ولا أحد يهتم بهم.
وتساءل البعض عن سر ارتباط الجمهور واتفاقه على لاعب كرة أيا كان، ولا يتفق على علماء وينقسمون حولهم وضرب مثلا بأحمد زويل، ورد البعض بالقول إن الكرة لا تعنى إهمال العلم وأن أوروبا لديها فرق ونجوم وتدفع ملايين لشراءهم ومع هذا تتقدم علميا، ولا مانع من أن يكون النجوم أمثلة عليا وأيضا العلماء، وكل شاب يختار المثل الذى يناسبه، ثم إن أكثر الأثرياء فى العالم لم يكملوا تعليمهم، وهو ما يجعل فكرة المثل الأعلى نسبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة