أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية.. وفى هذا المجال كتب مايكل آيزنشتات وهو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية فى معهد واشنطن وديفيد بولوك هو زميل مايكل فى المعهد. وقد أعد الباحثان تقريرا تحت عنوان: اختبار الثروات: كيف تستفيد الولايات المتحدة من تحالفها مع إسرائيل؟
فى المناظرة الرئاسية ورد على لسان الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما والحاكم ميت رومنى ذكر إسرائيل نحو 30 مرة، وهو معدل تجاوز ذكر أى دولة أخرى باستثناء إيران. وصرّح كلا المرشحين أن الدولة اليهودية «صديق حقيقى» وتعهدا بالوقوف إلى جانبها فى السراء والضراء. وقد انتقد بعض المعلقين السياسيين تصريحات الدعم المسرفة هذه باعتبارها محاولة للاسترضاء، مما يشير إلى أن المرشحَيْن كانا يسعيان ببساطة إلى الفوز بأصوات اليهود وأصوات الموالين لإسرائيل.
لكن إن كان الدعم الإسرائيلى فى الواقع من عوامل الفوز السياسى، فيرجع ذلك على الأقل إلى معرفة الناخبين ما الذى هو أفضل للمصالح الأمريكية. والتحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل يُسهم الآن أكثر من أى وقت مضى فى صالح تعزيز الأمن الأمريكى، حيث ازداد التعاون الثنائى فى التعامل مع التحديات العسكرية وغير العسكرية خلال السنوات الأخيرة. ولا يمكن أن تكون العلاقة متماثلة؛ فقد أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم دبلوماسى واقتصادى وعسكرى لا غنى عنه بلغ أكثر من 115 مليار دولار إجمالاً منذ عام 1949. لكن الشراكة متبادلة وحققت فوائد جمة للولايات المتحدة. أما التكاليف الأخرى الملموسة بشكل أقل والناجمة عن التحالف بين البلدين - والتى تتمثل بصفة أساسية فى الضرر الذى لحق بسمعة واشنطن فى البلدان العربية والإسلامية، وهى مشكلة نجمت كذلك عن التدخلات الأمريكية وعقود من الدعم الأمريكى للحكام المستبدين فى الشرق الأوسط - فإنها تتضاءل عند المقارنة مع المكاسب الاقتصادية والعسكرية والسياسية التى عادت على واشنطن.
ويرجع التعاون الأمنى بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ذروة «الحرب الباردة»، عندما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية فى واشنطن على أنها حائط صد ضد النفوذ السوفيتى فى الشرق الأوسط ومناهض للقومية العربية. وعلى الرغم من أن العالم قد تغير منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجى للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يتغير. ولا تزال إسرائيل ثقل موازنة ضد القوى الراديكالية فى الشرق الأوسط، بما فيها الإسلام السياسى والتطرف العنيف. كما أنها حالت دون الانتشار الإضافى لأسلحة الدمار الشامل فى المنطقة عن طريق إحباط البرامج النووية لكل من العراق وسوريا.
ولا تزال إسرائيل تساعد الولايات المتحدة على التعامل مع التهديدات الأمنية التقليدية. فالدولتان تشاركان بعضهما البعض المعلومات الاستخباراتية بشأن الإرهاب والانتشار النووى والسياسة فى الشرق الأوسط. كما أن التجارب العسكرية الإسرائيلية جسّدت منهج الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب والأمن الداخلى. وتعمل الحكومتان معاً لتطوير تقنيات عسكرية متطورة، مثل نظم «ديفيدز سلينغ» للصواريخ المضادة ونظم الدفاع الصاروخية «آرو» التى قد تكون جاهزة بعد فترة قصيرة للتصدير إلى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. كما برزت إسرائيل كمورد مهم لمعدات الدفاع إلى الجيش الأمريكى، حيث زادت المبيعات من 300 مليون دولار سنوياً قبل أحداث 11 سبتمبر إلى 1.1 مليار دولار عام 2006، وذلك بسبب الحروب فى أفغانستان والعراق. وقد قاد مجمع الأبحاث والتطوير العسكرى الإسرائيلى العديد من التقنيات المتقدمة التى تحوِّل شكل الحرب الحديثة، ويشمل ذلك الأسلحة السيبرانية والمركبات بدون طيار «مثل أجهزة الروبوت الأرضية والطائرات بدون طيار» ونظم المجسات وأنظمة الحرب الإلكترونية والدفاعات المتقدمة للمركبات العسكرية.
إن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد مهَّد الطريق أمام الدولتين للتعاون فى مسائل تتجاوز القضايا الأمنية التقليدية. ويرجع ذلك جزئياً إلى العلاقات الأمنية والسياسية طويلة الأجل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ونظراً لذلك يعرف معظم الإسرائيليين «الكثير عن» الولايات المتحدة ولديهم مشاعر إيجابية تجاهها. فالشركات الإسرائيلية التى تبحث عن أسواق عالمية لمنتجاتها غالباً ما تنظر إلى نظرائها الأمريكيين على أنهم الشركاء المفضلين. ومن ثم فإن الابتكارات التقنية المدنية الإسرائيلية أصبحت اليوم تساعد الولايات المتحدة فى الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية وعلى تعزيز التنمية المستدامة والتعامل مع مجموعة من التحديات الأمنية غير العسكرية.
لقد أنشأت عشرات الشركات الأمريكية الرائدة حاضنات تكنولوجية فى إسرائيل للاستفادة من ميول البلاد نحو الحصول على أفكار جديدة، وهذا هو السبب الذى جعل بيل غيتس يذكر فى عام 2006 بأن «الابتكار الجارى فى إسرائيل هو جوهرى لمستقبل عالم التكنولوجيا». وبالمثل، غالباً ما تلجأ الشركات الإسرائيلية عالية التقنية إلى الشركات الأمريكية لتشاركها فى الإنتاج وفرص التسويق المشتركة فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى، مما يخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين، ورغم أن الإسرائيليين لا يشكلون سوى ثلاثة بالمائة من سكان الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل كانت فى عام 2011 وجهة لـ 25 ٪ من جميع الصادرات الأمريكية إلى المنطقة، وتخطت مؤخراً المملكة العربية السعودية فى كونها السوق الأكبر للمنتجات الأمريكية فى الشرق الأوسط. «يتبع»