لماذا كانت ولا تزال فكرة القومية العربية هى فكرة مرفوضة، بل محاربة من كل القوى الاستعمارية وكل التنظيمات المتاجرة بالدين؟ فكرة القومية العربية نبعت فى الشام ومن خلال النضال ضد ممارسات الدولة العثمانية الاستعمارية، وهى تهدف إلى تجمع وتجميع كل البلاد والقوى العربية فى قوة واحدة لمواجهة الأخطار التى تواجه الدول والشعوب العربية، خاصة أن هذه الدول وتلك الشعوب تربطها عوامل الدين واللغة والجعرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد، إضافة للتهديدات التى دائما ما تواجه المنطقة من كل القوى الاستعمارية بكل صنوفها على مدار التاريخ.
فالمتاجرون بالدين سيظلون يحلمون بعودة الخلافة، التى كانت القومية العربية بديلا عنها- أما القوى الاستعمارية وبعد اغتصابها فلسطين لصالح الصهيونية، التى أصبحت الوكيل الوحيد والوريث البديل لهذه القوى لا تريد بالطبع أى توحد عربى فى أى صورة وبأى شكل، ولكن تريد التفتت والتشرذم العربى، حتى يسهل تحقيق مصالحها الإستراتيجية فى المنطقة- الإستراتيجية أيضًا، نعم الشام أبدع فكرة القومية، ولكن مصر هى التى بدأت الاقتناع بها خاصة بعد تشكيل جامعة الدول العربية، وعبد الناصر بعد يوليو 1952 هو الذى جسد هذه القومية على أرض الواقع، هنا ساندت مصر الشعوب العربية، التى كانت لاتزال ترزخ تحت نير الاستعمار، وكانت مصر وعبد الناصر هما الحافز المولد للطاقة العروبية، لدى كل الشعوب العربية، تلك الطاقة التى أفشلت حلف بغداد، الذى حاول قطع الطريق على هذه القومية، فكان التجسيد الحى عندما جاءت إلى مصر القيادات السورية وأعلنت الوحدة بين مصر وسوريا 22/2/1958 كتجربة عملية أربكت كل الحسابات الاستعمارية والصهيونية، فكانت مؤامرة الانفصال عام 1961.. ولكن مصر واصلت النضال القومى وساندت اليمن فى ثورتها، الشىء الذى أزعج الاستعمار والقوى الرجعية العربية، فكانت نكسة 67 ليس بهدف إسقاط مصر وعبد الناصر فقط، ولكن الهدف أيضا القومية العربية، ولكن ظلت وستظل مصر أيا كان نظام الحكم هى أم العرب والشقيقة الكبرى وقائدة مسيرة العروبة، سواء بالإعلان أو بالواقع، والدور الذى وضعه التاريخ على عاتقها، كما أن فكرة القومية هى الفكرة الرائدة والملهمة لكل هذه التجمعات والائتلافات الدولية فى أرجاء المعمورة ونتيجة لفكرة القومية وتجربة الوحدة والتوحد العربى فى حربى 67، 73 كانت هناك نظم ظلت تؤمن بالقومية والعروبة، خاصة سوريا والعراق باعتبارهما ظلا رافعى الشعار، بعد كامب ديفيد، وأيضا ليبيا، فالاستعمار لا يريد توحدا عربيا ولا نهضة عربية، إنما تشرذم لصالح الدولة الصهيونية.
هنا لا غرابة فى أن نجد ما يسمى بالربيع العربى، الذى تحول إلى ربيع عبرى بعد كشف المستور من استغلال الهبات الشعبية والجماهيرية المدافعة عن حقها فى الحياة فى تحويل هذه الهبة إلى فوضى على الطريقة الأمريكية لتنفيذ مخطط تفتيت المنطقة على أسس طائقية، فكان لابد من إسقاط الأنظمة الرافضة للاستعمار الإسرائيلى، والمتمسكة بالعروبة، فكان سقوط بغداد وسحقها، وكان ولا يزال الهدف مصر الجائزة الكبرى، وكانت ليبيا وهى الدولة التى كانت تمثل خطورة ورفضا لإسرائيل، ولأن سوريا شريكة مصر فى الوحدة، ولأن سوريا هى امتداد الأمن القومى المصرى طوال التاريخ، ولأن سوريا رفضت ومازالت ترفض أى سلام مع إسرائيل.. ولأن الجيش الأول المصرى هو الجيش السورى، ولأن لا نصر بدون مصر ولا سلام بدون سوريا كان العبء الأكبر والهدف المهم هو تفتيت سوريا إلى لوحة فسيفسائية هى الكعكعة التى يتقاسمها الجميع، فكانت الهبة فى مارس 2011 من المعارضة السياسية الداخلية فى سوريا هى مشروعه بلاشك.
وقد زرت سوريا فى أكتوبر 2011 وتقابلنا مع المعارضة السياسية وطلبنا المشاركة والتغيير فى جميع وسائل الإعلام السورية، ولكن كان لابد للمخطط أن ينفذ فكانت تلك الهجمة التتارية الإرهابية الممولة من دول ومخابرات متعددة على سوريا لهدمها وتفتيتها وإسقاط نظام الحكم حتى يكون البديل الإرهاب والفوضى، ومع ذلك دفع الشعب السورى البطل الثمن غاليًا جدا، وهو الدم الذى هو أغلى مايملك الإنسان، وحقق الشعب السورى بمساعدة الأصدقاء نصرا سيرتبط بنضال الشعب السورى قبل أى طرف آخر مساعد فانحسر الإرهاب وحررت سوريا أراضيها، ولم يتبق غير أقل من 3٪ وهى إدلب وبعض الرقة وغوطة دمشق المحاصرة عسكريًا الآن حتى يتحقق النصر الكامل.
ولكل ماسبق قد رأينا نظام مصر بعد 30 يونيو وبعد ما كان من الإخوان ضد سوريا وهو ما يؤكد حجم المؤامرة، رأينا موقف مصر حتى وإن عارض ذلك الموقف البعض، رأينا السيسى يؤكد طول الوقت على الحل السياسى ووحدة الأراضى السورية وحق الشعب السورى فى اختيار قيادته لذلك ذهبنا وفدا سياسيا شعبيا لسوريا للتضامن مع الشعب البطل الذى دفع وجاد بالدم، ذهبنا يوم عيد الميلاد 25/12/2017 وكانت المفاجأة تدل على صمود وقوة السوريين حيث يمارسون الحياة ويعيشون بالرغم المأساة فقابلنا جميع كبار المسؤولين بلا استثناء وتجولنا فى شوارع دمشق وتسوقنا من سوق الحميدية، وزرنا المسجد الأموى ولم نر أى تبديل للحياة، حيث أن هذه الزيارة هى الزيارة الرابعة لسوريا، تناقشنا فى المصير الواحد المشترك وجدنا القيادات والشعب السورى خائفين على مصر العروبة من الإرهاب والمؤامرة ووجدنا الحب الأصيل لمصر ولشعبها ولقيادتها، تقابلنا مع نائبة رئيس الجمهورية فى قصر الضيافة، الذى خطب فيه عبدالناصر، الذى رفعوه فوق الأعناق بسيارته، هذه هى سوريا التى يصورها الإعلام ذات الفوضى على غير الواقع، ستعود سوريا والعراق وسيبدأ البناء والتعمير، وسيعود السوريون إلى وطنهم مشاركين فى البناء ويختارون قيادتهم كما يريدون دون وصاية من أحد، وستظل القومية هى العاصم والأمل للعرب لمواجهة هذه التحديات المعلنة والمعاشة، التى تهدف إلى التفتيت لصالح إسرائيل.. عاشت مصر وعاشت العروبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة